ما أقصده بالبيئة الإدارية المنغلقة هي تلك التي تصبح متمحورة على ذاتها، لا تتقبل الأفكار الحديثة من خارجها، وتبرز الفجوة في التواصل بين قاعدتها وهرمها؛ فيصبح الموظف في المستويات المتوسطة والدنيا غير قادر على اختراق الحواجز حول قياداتها العليا؛ وبالتالي غير قادر على إيصال أفكاره بشكل سلس ومباشر وواضح. قد يرى البعض أن وزارة بحجم وزارة التربية وضخامتها يصبح أمراً طبيعياً احتكامها إلى نظام بيروقراطي معقَّد. وهنا يكمن حجم المأساة. إننا نتحدث عن وزارة تعليمية، يُفترض أن تتمتع بالديناميكية في مجالات التفكير وتقبُّل الجديد والانفتاح على التواصل مع الآخر وعلى الأفكار المختلفة بشكل واعٍ، تتفحصها وتناقشها وتستفيد منها قدر الإمكان. الشكوى من الأبواب المغلقة لدى مسؤولي وزارة التربية أمام منسوبي الوزارة من مختلف قطاعاتها، وأمام المهتمين والمفكرين والمواطنين، يلمسها كل من يتحدث مع معلميها ومع المهتمين بالمجال التعليمي والتربوي، حتى أن البعض يتهم تعاملاتها بأنها تسير باتجاه واحد، يفتقد التغذية الراجعة، عبر توجيه التعاميم والتعليمات القادمة من تحت المكيفات دون مناقشة أو حضور أو تعرُّف حقيقي على طلبات وآراء العاملين في الميدان.
هذه ليست مجرد شكوى المعلمين والمتابعين؛ فقد لمستها في أكثر من موقف شخصي، سأشير إلى اثنين منها، أحدها مع الوزارة، والثاني مع شركة تطوير. حاولت إيصال أفكار، اعتقدت بأهميتها، وكون لدي تصور عنها مفصَّل، يتجاوز مجرد طرحها في مقالات مختصرة وعابرة. وربما من مبدأ اختبار صدقية بعض المسؤولين الذين يطالبوننا نحن الكتاب بأن نتواصل معهم، ونعرض أفكارنا مباشرة عليهم. مع العلم بأنني لا أنتمي لوزارة التربية والتعليم؛ ولست أنشد منهم ترقية أو منصباً..
في المرة الأولى أوصلت مقترحاً/ دراسة، احتوت على تفاصيل عديدة، إلى أحد أصحاب المعالي بالوزارة. لم يفكر حتى في شكري أو مناقشتي فيها، وأشك في أنه تمت دراستها أو مناقشتها بجدية من لدنه هو ومساعديه. في المرة الثانية حاولت أن أتواصل مع مدير تنفيذي بالشركة؛ لأعرض عليه مشروعاً آخر؛ رأيت أنه سيكون مفيداً لوزارة التربية وأبنائنا وبناتنا الطلاب. وبعد تواصل عن طريق الموقع لم يتم التجاوب معه، وبعد أكثر من زيارة للمكتب، استطعنا بعثها له عبر البريد الإلكتروني، وتكرر المشهد.. لا أحد يرد عليك، لا أحد يشكرك، لا أحد يناقشك. أضيف بأن الفكرة الثانية، وبمجرد رسالة إلكترونية أوصلناها لمسؤول بدولة خليجية، قدَّم لنا شكره، واقترح استضافتنا للحديث معه حول تفاصيلها.
لستُ أشتكي، ولم أندم على تلك المحاولات، وإنما أطرحها كمثال. وأتساءل: إذا كنتُ أنا الكاتب والأستاذ الجامعي والفائز بجائزة أفضل مؤلف سعودي في التعليم لم أتمكن من لقاء أو مناقشة مسؤولي وزارة التربية وشركتها التطويرية، فكيف هو وضع المعلم من أقصى الشمال أو الجنوب أو ولي أمر الطالب الذي يرغب أو يحتاج إلى مقابلتهم؟ واضح أن الأبواب موصدة والحواجز عالية، وأن المسؤولين قابعون في مكاتبهم خلف أرتال أوراق المعاملات التي لا تتيح لهم التواصل المفتوح، أو حتى قراءة الأفكار الحديثة والتطويرية بعمق وروية كافيَيْن.
الرسالة إلى سمو وزير التربية والتعليم: افتحوا قنوات التواصل، وانفتحوا على الأفكار المختلفة القادمة من ميدان التعليم ومن المفكرين والمتخصصين والمهتمين.. شجِّعوا الأفكار الإبداعية؛ فلديكم ثروة من المعلمين والطلاب، حتماً بينهم المبدع والمتميز الذي يتمنى أن تسمعوا منه، لكنه يخشى الاقتراب، أو لا يجيد طرق الأبواب المغلقة.