إن مختلف الدول الإسلامية تسعى إلى تطوير نظام التعليم لسببين. أحدهما للمحافظة على هوية الأبناء خلال اندماجهم في العولمة. والسبب الثاني تعليم الأبناء ليأخذوا مكانهم مستقبلاً في القرن الواحد والعشرين.
والسؤال الآن: كيف يمكن المحافظة على الهوية الإسلامية في ظل العولمة عندما يكون التعليم في الدول الإسلامية يعتمد على طريقة التلقين والتحفيظ عن ظهر قلبٍ، وهي عملية تخزين المعلومات في ذاكرة الطالب بواسطة التكرار والحِفظ والتسميع، وبالمشاهدات تبين أن الحفظ عن ظهر قلبٍ يُعطل عند الأطفال نزعة البحث وحب الاستطلاع واكتشاف المجهول، فالمعلومات اليوم أصبحت متاحةً للجميع حيث يمكن للأبناء الحصول عليها بيسرٍ وسهولةٍ بوسائل التكنولوجيا المختلفة، فلم يعد هناك حاجة لأن يحفظ الطالب المعلومات المدرسية عن ظهر قلبٍ. فالهدف من التعليم أن ينجح الطالب في إيجاد الحلول للمسائل وليس تحفيظه المعلومات. لذا يجب أن يتاح للطالب في المدرسة الوصول إلى المعلومات أو توفيرها له دون مطالبته بحفظها، والاختبارات المدرسية يجب أنْ تَقيس مدى فهم الطالب وليس قوة حفظه.
وتَلقَى طريقة التلقين والتحفيظ عن ظهر قلبٍ انتقاداً شديداً من بعض خبراء التعليم، حيث إنها تُعَوّدُ الطلاب على مجرد الترديد الصوتي وليس بالضرورة فهم المعنى.
كما أن الحفظ عن ظهر قلبٍ لا يشجع الطلاب على مناقشة وتحليل المعلومات التي يتعلمونها، وهناك البعض الآخر من خبراء التعليم يرى أن الحفظ عن ظهر قلبٍ ضرورةٌ لا يمكن الاستغناء عنها في حالاتٍ معينةٍ وفي مرحلةٍ معينةٍ من حياة الطالب.
والطلبة ثلاثة ُأنواعٍ: النوع الأول يجيد الحفظ والنوع الثاني يجيد التدبر والنوع الثالث يجيد الحفظ والتدبر.
والتعليم يجب أن يمنح خياراتٍ متعددةً تأخذ في الاعتبار قدرات الطلبة المختلفة. فعلى سبيل المثال جعل دروس القرآن الكريم تتكون من حصتين منفصلتين تعملان جنباً إلي جنبٍ، إحداهما لتحفيظ القرآن والأخرى لتدبر آياته، فحصة التدبر ستوفر للطلبة المناخ الملائم للتعبير عن خواطرهم واستخراج بنات أفكارهم واكتشاف أنفسهم في مرحلةٍ عمريةٍ مبكرةٍ، وفي نفس الوقت سيتمكن المعلم المشرف من اكتشاف الميول الفكرية للطلبة وتصحيح الأفكار الخاطئة أو المنحرفة عندهم، وبالتالي، يمكن أن تكون دروس القرآن هي الانطلاقة نحو تحديث نظام التعليم من منهج يرتكز على التلقين إلي منهج يرتكز على التفهيم أو بمعنى آخر تطوير المدرسة من مُنشأةٍ تُنتِجُ نُسَخاً مُتكررةً من الطلبة، إلى صرحٍ يعلم الطلبة البحث والفهم والاستنباط.
الخلاصة
إن متطلبات العصر الحديث تقتضي من نظام التعليم في الدول الإسلامية أن ينتج نوعين من الطلبة، أحدهما يسلك طريق الحفظ والتلقين والآخر يسلك طريق البحث والاستنتاج، وكلا النوعين سيكمل بعضهما البعض في الحفاظ على الهوية الإسلامية في عصر العولمة.