ساهم الإعلام الفضائي والإنترنت في الكشف عن مختلف أنواع الفرق والمذاهب الدينيه حول العالم والتعرف على مواقع تواجدها في أنحاء الأرض وحصرها، ومنها المذاهب الإسلامية التي قد يصل عددها إلى ثلاثة وسبعين مذهباً، ومنها مذهب أهل السنة والجماعة أو الفرقة الناجية، كما هيأت
التكنولوجيا للعالم بيئةً افتراضيةً بلا حيزٍ جغرافيٍ و زمنيٍ ففتحت آفاق الفضاءِ للتواصل والتكامل عبر القارات كمجتمعٍ واحدٍ، فنشأت من جراء ذلك اتجاهاتٌ معاصرةٌ تُناقش صحة الأفكار القديمة والممارسات المتوارثة، فأفرزت هذه الاتجاهات بعض التساؤلات، ومنها على سبيل المثال الكراهية المتوارثة بين الفرق الإسلامية المختلفة وأسباب عدم التعايش السلمي بينها، وعند الاستعانة بمكتبة التراث الإسلامي في سبيل الوصول إلى جوابٍ على تلك التساؤلات نجد أن جذور الكراهية تبدأ من مكتبة التراث الإسلامي، حيث إنَّها تحتوي على مصادر الكراهية بين المذاهب الإسلامية المختلفة وتُحرض على الإقصاء بين بعضها البعض، بل إنَّ بعض ما تحتويه من مؤلفاتٍ لبعض علماء عصر السلف تُشَرع للمقاتلة بين أصحاب المذاهب الإسلامية المختلفة، و في عصرنا الحاضر سَلَّمَ أصحاب المذاهب الإسلامية المختلفة بمحتوي مكتبة التراث الإسلامي ظناً منهم أن فيها الجواب الكافي الشافي وتَصلح لكل زمانٍ ومكانٍ، وحيث إن العلاقة بين المكتبة الإسلامية والفكر الديني علاقةٌ متلازمةٌ، أي أن تطوير أحدهما شرط لتطور الآخر، ظهر الجمود واضحاً في الخطاب الديني ومن علامات جموده أنه عاجزٌ عن مواكبة مستجدات العصر الحديث، ولم يسبق أن قدم الخطاب الديني مبادرةً جادةً تُؤسِسُ لمبدأِ التعايش السلمي بين أصحاب المذاهب الإسلامية المختلفة في عالمٍ قَرَّبت التكنولوجيا مسافاته وأصبح يُعرف بـ(القرية العالمية) وهو مصطلحٌ معاصرٌ يرمز إلي العالم باعتباره مجتمعاً واحداً، وظلت مكتبة التراث الإسلامي هي المصدرُ الفكريُ لصُنَّاع الخطاب الديني، فانتقلت الكراهية من جيلٍ بعد آخرٍ إلى جيل عصرنا الحاضر.
وفي عصرنا الحاضر وجد البعض من أصحاب المذاهب الإسلامية المختلفة في أقوال بعض علماء عصر السلف مستنداً دينياً مناسباً، للتحريض على القتال بأسلحة فتاكةٍ مدمرةٍ يتم التحكم بها عن بعدٍ لم يكن أحدٌ من علماء عصر السلف يتخيلها آنذاك.
الخلاصة
التعايش السلمي بين أصحاب المذاهب لا يقتضي تغيير المذهب الديني، وإنما يقتضي صدقَ النيةِ وقدراً كافيا من الشفافية التي تكشف بوضوحٍ عن إرادة التعايش السلمي مع الآخر. وتحقيق التعايش السلمي بين أصحاب المذاهب الإسلامية المختلفة يقتضي إعطاء نزعة التقارب والتسامح نصيبها المستحق من درجة الاهتمام المكتوب والمسموع والمرئي الذي ما زال كُله أو جُله من نصيب نزعة الإقصاء والكراهية، فالتعايش السلمي أصبح ضرورةً في عالمنا المعاصر، يحتم على شيوخ المذاهب الإسلامية المختلفة القيام بدورٍ غير مسبوقٍ في تحقيق التعايش السلمي بين أصحابها، ومواءمة رسالة التضامن والتسامح والاعتدال التى يدعو إليها مركز الملك عبدالله للحوار بين المذاهب الإسلامية.