القلق سمة نفسية ملازمة للمخلوقات كافة، وتبدو علاماته على بني البشر بصفة أوضح، نظرا لسهولة ملاحظة أعراض القلق وعلاماته لكونها ظاهرة يسهل التعرف عليها، ولكون القلق ملازما للإنسان في كل أوقاته. ومرتبط معه في جل حركاته وأوجه تفاعله مع المثيرات التي يتعرض لها في البيئة المحيطة، الاجتماعية والطبيعية، ولهذا يعد بنو البشر من أكثر المخلوقات التي تبدو عليهم علامات القلق في كل مراحل الحياة العمرية، ويحدث القلق على مستوى الفرد خشية الإخفاق والخسارة، وعلى مستوى الجماعة خشية التهديد وفقدان المكتسبات، والقلق بهذه الصفة يعد طبيعيا حميداً، وهو يختلف تماماً عن القلق المرضي الذي يعد معوقا للحياة، ومعطلا لأوجه المشاركة المجتمعية والتفاعل مع معطياتها.
والقلق بصفة عامة وفي مستوياته الطبيعية يعد من لوازم تسيير الحياة وضبط حركتها، وتفعيل الأدوار فيها، فهو محرك إيجابي للمزيد من النجاحات وتحقيق الغايات، فكل فعل يقوم به الإنسان مدفوعا برغبة ذاتية لتجاوز أوجه النقص أو الفشل، ويحقق الإنسان في ذاك الفعل مستوى من الرضا والنجاح، لابد أن تكون شحنات القلق قد لعبت الدور الرئيس في التحفيز والدفع نحو الحصول على ما يدفع القلق ويطفئ جذوته، والتخلص من آثاره وأعراضه التي لا يمكن تحمل المزيد منها أو استمرارها في حال التجاهل أو الإعراض، لأن الحالة عندئذ قد تتحول إلى حالة مرضية مثبطة معوقة.
وليس بخاف أنه عندما يقابل أحدهم الموقف المثير للقلق بشيء من عدم المبالاة والاهتمام، وأحيانا التجاهل والإعراض، أو التقليل من مآلات المثير، أو تقدير نواتجه المحتملة تقديراً خاطئاً، أو عندما يتم تجاهل مثيرات القلق والغفلة عنها، أو عدم إيلائها الاهتمام بالتتبع والبحث، سواء كانت إشباع حاجات، أو توفير متطلبات، أو حل مشكلات، فحتما سوف تكون الحالة أشد تعقيدا، والمترتبات عليها في أقل الأحوال مخيبة للآمال إن لم تكن كارثية، وأخص الحالة التي يتعرض لها أعداد كبيرة من الناس، وأخص الشباب على وجه التحديد، فهذه الحالة من مثيرات القلق إن لم يلتفت لها بين الشباب، وتولى العناية المستحقة لكون الشباب يمثلون الشريحة الأوسع في البنية المجتمعية، فإن العواقب لن تكون حميدة أو سعيدة، بل ستكون كارثية ومعقدة، قد يتعذر تجاوز ما يترتب عليها مهما بذل من جهد، ورتب من حلول.
الفرق بين من يستثمر القلق ويوظفه باعتباره يحفز على المزيد من النجاحات والإنجاز، وبين ذاك الذي يتجاهل القلق رغم وضوح مؤشراته، فالمتجاهل ليس بمستغرب إن غرق في المزيد من أوحال الفشل والمراوحة في المكان نفسه، بل إنه عرضة لما لم يكن في حسبانه، أو يتوقعه من أوجه الاضطراب وردود الأفعال الفوضوية غير المنضبطة، من خروج على المتعارف عليه في السلم الاجتماعي، وتعد على الآخر، وتطاول بالقول على الرموز المجتمعية من علماء وقادة ومفكرين، ومن البدهي أن يقود هذا إلى خلخلة البنية المجتمعية وانقسامها إلى فرق وجماعات أقل ما سوف تعانيها تنامي أسوار من عدم الثقة والتقبل.
ليس بخاف أن المجتمع السعودي مجتمع شبابي، أي أن الشباب يعد المكون الرئيس للتركيبة السكانية في كل مناطق المملكة، ومجتمع الشباب سريع التأثر والتغير ولا سيما وأن مصادر التأثير مفتوحة أبوابها، متعددة مشاربها، وثبت أنه يستحيل السيطرة عليها أو التحكم فيها، هذا في الظروف العادية، فما بالك والظروف المحيطة تتربص بالشباب الدوائر.
إن السلم الاجتماعي يوجب الالتفاتة إلى الشباب، والوقوف على الأسباب الحقيقية لقلقهم، وهي عديدة ومتنوعة، وفي الوقت نفسه النظر إلى هذه الأسباب باعتبارها مصادر توتر سوف يدفع إهمالها أو تجاهلها أو التقليل من شأنها يدفع الشباب إلى المزيد من صناعة الأزمات، لذا يجدر التعامل مع هذه الأسباب بما تستحقه من عناية ورعاية ومعالجة قبل فوات الأوان.