وصلت درجة الافتتان بالإبل عند العرب درجة غير مسبوقة، ومن خلال صورة انطباعية عما يحدث في هذا العصر من احتفالات ومهرجانات عن الإبل، وما يتخللها من قصائد وفخر، أشعر أحياناً أن المسافة ما زالت قصيرة بين مكانة الإبل عند خوارة ناقة البسوس، وبين مكانتها في الاحتفالات القبلية للإبل في الجزيرة العربية في العصر الحالي، وزاد من مكانتها عند العرب ذكرها في القرآن الكريم، وارتباطها بالفتوحات العربية الإسلامية، وقبل ذلك اعتمادهم الكلي في حياتهم اليومية في أيام الجوع والترحال.
لكنني أعتقد أن الحالة المعاصرة وصلت إلى درجة الهوس بهذا المخلوق، بعد أن وصلت أسعار بعض أصنافها إلى عشرات ومئات الملايين، بالرغم من أن استعمالاتها القديمة وفوائدها في الحروب والترحال انتفت، بعد أن طغت وسائل العصر الحديث، وأصبح البعير راكباً، وليس ناقلاً، لذلك يجب النظر إلى تلك العلاقة المفتونة بالعشق لهذا المخلوق بعيون أخرى.
الأمر لا يخلو من أسباب وجيهة، فقد يكون اقتصادياً بسبب قصور الأداء الاستثماري عند بعض المواطنين، لذلك اتجهوا لتحريك أموالهم في أسواق الإبل، والدخول في مضاربات خيالية، تماماً مثلما يحدث في سوق الأسهم، وقد يكون لها مآرب أخرى، مثل إحياء تقاليد القبيلة الحربية، وتعزيز فخرها بأيام الغزو وقتال القبائل الأخرى، وقد يكون في المعنى رمزية للأصالة والنقاء العربي الخالص.
وصل ذلك الهوس إلى الدراسات العلمية عندما قدَّم أحد العلماء المعاصرين دراسة تؤصِّل أثر الإبل في توجيه الخطاب النقدي العربي، وتسعى الدراسة إلى تأصيل أثر الإبل في توجيه الخطاب النقدي العربي في سيرورته التاريخية، فقد كشفت الجذور والأنساق الأولى المشكّلة للفكر العربي عن تأثير كبير لهذا الحيوان في الفكر العربي وفي اللغة العربية التي حددت طرائق تفكير الذين تكلموا بها وسلوكهم والنقد أول هذه الطرائق والظواهر السلوكية.
لكن يبدو أن الأمر دخل إلى منعطف مختلف، بعد أن صرح مركز سعودي للأبحاث الطبية أن هناك توجهاً للبدء في إنتاج كبسولات طبية تحوي بول الإبل لاستخدامها في علاج أمراض السرطان والأمراض المرتبطة بها، بالرغم من أن صاحبة البحث أشارت إلى أن العلاج حالياً ما زال قيد التجربة للحالات المتقدمة من الأورام والبحث عن عدة أنواع من مرض سرطان الرئة والثدي والدم وفي مختلف المراحل، حيث إن العلاج بألبان وأبوال الإبل أجدى وأنفع في الحالات المبكرة، ويمكن استخدامه في الحالات المتقدمة.
ما زال المجتمع الطبي في العالم ينتظر النتائج المذهلة لبول الإبل في علاج حالات سرطان الرئة المستعصي للعلاج، وأقترح أن تكون الدراسة تحت إشراف مركز طبي أكاديمي، وإذا أثبتت التجارب الطبية السريرية صحة تأثير بول الإبل، وأنه قد يصل إلى درجة الشفاء من سرطان الرئة، فإنني أهيب بشركات صناعة الأدوية السعودية بالحصول على الحق الحصري في إنتاج كبسولات بول الإبل قبل أن تحتكرها الشركات الغربية، فالعائد المالي المتوقع إن صحت النتائج سيكون ضخماً جداً..!
أخيراً أشارت الباحثة إلى أن بول الإبل المفيد من الناقة التي لم تنجب، لأنه أكثر استساغة من حيث الطعم والرائحة، وهناك العديد من المرضى الذين وجدوا فرقاً في الطعم والرائحة بين بول الناقة البكر، وبين بول الناقة الثيب، وقد تُؤدي هذه المعلومة إلى اشتعال أسعار الإبل البكر في سوق المزايين، ولا أستبعد حصول شركات المشروبات الغازية على حق بيع بول الناقة البكر كمشروب طاقة صحي، والله المستعان.