في الصباح، أجمل ساعات النهار، وأكثرها هدوءاً وطمأنينة، سقط محمد شطح، المستشار السياسي للرئيس اللبناني سعد الحريري، في تفجير سيارة مفخخة، وذهبت حياته كغيره من الشهداء السابقين نتيجة مواقفه السياسية، ورهانه المستمر على عمل المحكمة الدولية في لبنان، بحثاً عن أدلة تدين القتلة في عام 2005 حتى أصبح سماع خبر عن رحيل أحد الشهداء من تيار المستقبل أمراً مألوفاً ومتوقعاً.
وقبل ذلك بأيام قليلة حدث أيضاً، في بلد لم تعتد حوادث التفجير والإرهاب كمصر، حادثة تفجير في مدينة المنصورة، استهدفت مديرية أمن الدقهلية، وأودت بحياة 16 قتيلاً، معظمهم من الشرطة ونحو 140 جريحاً من بينهم قيادات أمنية رفيعة.
وكالعادة أيضاً، في ديسمبر أيضاً، وقبل يومين فقط، حادثة تفجير في بغداد قرب كنيسة ماري يوحنا، ذهب بسببها العشرات من المدنيين المسيحيين، وفي الشام، لا يتوقف القتل ضد المدنيين العزل، وضد الأطفال، حتى أن آخر جملة قالها طفل سوري قبل أن يفارق الحياة، قبل أيام: سأخبر الله عن كل شيء! فأي قتل قذر، وأي تفجيرات رخيصة وجبانة بددت كراسات التلاميذ وأقلامهم، وقبل ذلك أحلامهم الجميلة..!.
ما الذي يحدث لهذه الأمة، دون سائر الأمم من جزّ الرؤوس وتصويرها بتلذذ وانتقام، ونشرها في الإنترنت، إلى تفجير المدارس، والأسواق، والمساجد، والكنائس؟.. كيف يمكن كبح السياسة وألاعيبها القذرة، وكفّها عن امتطاء الطائفية، وتهييج المشاعر بين الطوائف، ضد بعضها البعض؟ ففي الوقت الذي يحتفل فيه العالم غير الإسلامي بنهاية العام الميلادي، وببداية عام جديد، ويشيع التسامح بين مجتمعاته، وأفراده، يقبع المسلمون في خندق الطائفية والتحزب، ويقتل بعضهم بعضاً، في دراما بليدة، أعادت معظم بلدان هذا العالم الإسلامي إلى مزيد من التخلف والرجعية.
فهل ديسمبر هو شهر الاحتفال بالقتل اليومي وسفك الدماء في الدول العربية والإسلامية، كما هو الاحتفال بعام ميلادي انتهى، وعام ميلادي جديد؟.. أم أن الشهور عند العرب كلها ديسمبر؟.. والقتل أصبح أمراً يومياً مألوفاً، إلى حد الشعور بلا جدوى نشرة أخبار لا يفتتحها مذيعها بقوله: هزّ انفجار عنيف صباح اليوم العاصمة سين.
لماذا الصباح أيضاً، ذلك الصباح الذي لا يشبهه وقت، وفي عاصمة لا تشبهها عاصمة، كبيروت، الصباح الذي يفتتحه اللبنانيون برائحة القهوة، وصوت فيروز.. الصباح الذي لا يكتمل في شرفات دمشق دونما رائحة الياسمين، الصباح الذي تنتشر شمسه الخجولة مع ترتيل عبدالباسط عبدالصمد في شرفات القاهرة والمنصورة والإسكندرية، الصباح الذي صار حزيناً باكياً كأنين ناي من قصب العراق.. فأي صباح صادرتم لونه، ورائحته، وخدره، وجماله، وطمأنينته أيها القتلة؟.