انفعلت جدا مع كلمة خادم الحرمين الملك عبد الله بن عبد العزيز وأنا أصغي لصوته متهدجا بالعاطفة الصادقة تتكثف في كلماته البليغة بمناسبة إعلان الميزانية. شلال من شفافية نقية أحسسته يتجسد في توصياته للمسؤولين والوزراء وتركيزه على خدمة المواطن ومخافة الله.
وكخبيرة في التخطيط التربوي مهتمة بمستقبلنا التنموي أدعو من القلب: اللهم حقق آماله ووفق مساعيه.
كدولة لها ثقلها إقليميا وعالميا, المال لا ينقصنا والحمد لله, ومحاولات التصحيح على قدم وساق. ومع هذا حين نستقرئ مشاعر الناس عبر وسائل التواصل الاجتماعي نجدها تفيض بالإحساسات السلبية والتشاؤم والتشكيك في ما سيحمله المستقبل أو إمكانية جني ثمار المشروعات الهائلة التكلفة التقديرية.
كل محب لهذا الوطن وكل متلمس لمسببات التناقض يسأل نفسه أمام كل مشروع مكلف يتكشف بعد بضع سنوات عن فاجعة محزنة: أين يكمن الخلل؟
هل هو في أخطاء التنفيذ مقصودة أو غير مقصودة؟ هل هو في ضعف التخطيط والتصميم في الدراسات الأولية ؟ هل هو في ضعف أجهزة الإشراف والمراقبة والمحاسبة ؟ هل في انعدام الذمة وتغليب الاستفادة الشخصية ماديا على الشعور بالتميز في الإنجاز مهنيا؟ هل هو الشعور بالإيمان أن المتجاوز لن يدفع الثمن ؟ أو في انعدام التنافسية التي تدفع إلى محاولة التميز في الإنجاز؟ أم في اعتمادنا شبه الكلي على الطاقات البشرية المستقدمة بل وحتى المتسللة؟
كل مشروع يكلف مليارات عندنا بينما لا يكلف مثله غيرنا إلا كسور التكلفة.. ملايين الموظفين غير المواطنين يحولون لأوطانهم ملايين التحويلات.. ونسبة المعالين في عائلة المواطن تتزايد.. نسبة الشباب تتصاعد.. نسبة العطالة إلى الموظفين من المواطنين لا تسر الخاطر.
باختصار، خلاصة النتائج لا تصل إلى ما يرضينا نحن المواطنين في الطبقة الوسطى التي تتقلص, والطبقة الدنيا التي تتعاظم.. ولا ترضي الملك والمخلصين من المسؤولين.. وبالتأكيد احتمالات تفاقم تراكمات الحال لو استمر على منواله تخيف الباحثين ودارسي الأوضاع.
يجدينا جميعا وفي كل مواقعنا من مسؤولية المواطنة ,أن ننظر لكل الاحتمالات بجدية وحيادية علمية.
من المريح أن نتفاءل ونبرر كل مشروع يتعثر بمسببات وضعية مؤقتة.. ولكن استمرار التعثر يتطلب وقفة جادة وغير عاطفية لتصحيح الأمور ومحاسبة المتسبب في تلكؤ أو تعثر أو فشل أي مشروع, ففي السيناريو الأسوأ سيدفع المجتمع -الذي رسخ عرفه الراهن السلبية في حمل مسؤوليات المواطنة, والاكتفاء بالشكوى من تغلغل الفساد- الثمن باهظا.
ليس مقبولا التعذر أن الواسطة أو الرشوة أو الاختلاس تجاوزات يمارسها «الجميع»! هذه الممارسات تنخر في بنية المجتمع وأساسات المستقبل. وليس صحيحا أن «العطالة» أشرف من قبول العمل في «أي وظيفة»!! وليس مشرفا أن تكون خصوصيتنا حاصل «الترفع» الفردي و»سوء مناهج التعليم والتدريب «. وأن ترسخ تنشئتنا مبدأ «لوم الغير» والتسامح مع تسيبنا, وتوقعات أن نحصل على نشتهي بناء على ما نطالب به, وليس بناء على ما نبذله أو نقدمه من عطاء مقابل. يبقى أن الناتج الأخير هو خسارة عامة على مستوى معيشة المواطن ورضاه وبالتالي مزيدا من القلقلة الاجتماعية , في أوضاع عدم استقرار اقتصادي ومجتمعي وسياسي يتفاقم إن لم يكن على مستوى الدولة أو الجوار الإقليمي فحسب فهو واضح عالميا.
أمام كرم الميزانية يجدينا أن نسأل المقاولين في القطاع الخاص عن قيمة التميز في الإنجاز والإخلاص في الأداء؟. ونسأل المسؤولين الذين يختارون شركات المقاولات عن معايير الانتقاء: هل هي للأكفأ ؟ أم للأقرب ؟ وعن المراقبة الدقيقة والتقييم هل يلتزم به كما يجب؟
ثم لنسألهم أيضا ألا تكفي الميزانية لتوظيف المواطنين العاطلين؟
كل عام والوطن وميزانية البناء والنماء بخير..