أواصل الحوار معكم عن فعاليات فيينا بمشاركتكم بعض ما جاء في مقابلات شاملة أجريت على هامش وجودي بمدينة فيينا في أكثر من نشاط ثقافي في الشهر الماضي. بدأت بالحوار مع الآخر بدعوة من مركز الملك عبد الله للحوار «كاسييد»؛ وللمركز مكانته المتفردة كأول مركز يقدم نشاطاً ناجحاً ومميزاً على خارطة العالمية كأول مبادرة للتقارب والتفاهم بين الأديان.
وهو أحد المبادرات التي تجسِّد رؤية لملك عبد الله بن عبد العزيز حول الوسطية والاعتدال والتقارب بين الجميع وطبعاً والتصدي للغلو والعدوانية داخلياً وخارجياً.
وبمثل هذه الرؤية الناضجة يُضمن نقاء الأجواء وسلامة البشر من عدوانية الجهل والإقصائية والتمييز ضد أي فرد واضح الانتماء بسحنته ولغته وعقيدته، للتمييز ضده في أي موقع داخل وطنه أو خارجه بناءً على انتمائه خاصة الديني. وكم عانينا من مثل هذا التمييز.
أما النشاط الآخر فكان بدعوة من وزارة التعليم العالي لمشاركة في نشاط ثقافي ضمن فعاليات معرض فيينا الدولي للكتاب الذي شاركت فيه المملكة بجناح رئيسي.
وقد سألت عن تقييمي للمشاركة السعودية في هذا المعرض, وكان رأيي إنني لمست الجهد الكبير المبذول في هذه المشاركة التي دعيت إليها المملكة كشريك رئيسي في المعرض , وشاركت بجناح مميز بعروضه من الكتب والعروض التراثية المصاحبة كالخط العربي والأزياء التراثية، بالإضافة إلى مؤلفات سعودية مترجمة إلى اللغة الألمانية. كما تضمّن حضور المملكة برنامجاً من النشاط الثقافي والعلمي بصورة محاضرات وندوات لعدد من كبار المفكرين والمثقفين السعوديين، وقراءات من الأعمال الأدبية لبعض الشعراء والكتّاب. كان يمكن أن يقدم هذا النشاط بصورة تضمن مردوداً أكبر بترتيب مسبق يضمن حضور المهتمين النمساويين . أدرك أنّ المساحات التي توفرها المعارض الأوروبية تكون محدودة نسبياً، وأنّ الفترة الزمنية المتاحة قصيرة نسبياً أيضاً، لذلك لابد من المفاضلة والاختيار بين أوجه الثراء والتنوُّع الثقافي الذي تملكه المملكة، فهي في ذلك أشبه بسيدة تمتلك الكثير من الملابس والحلي، ولكن يجب عليها أن تختار ما يمثلها في مناسبة معينة، وبعد كل مرة تقوم بتقييم ما عرضته، وتسعى لتطويره باستمرار، وهو ما تقوم به الملحقيات الثقافية بالتأكيد، من خلال بحث اهتمامات زوار المرض، وما يتعطشون لمعرفته عن المملكة وثقافتها.
سعدت باختيارات الجناح السعودي، حيث شملت أعمالاً أدبية لبعض المؤلفين الشباب، إلى جانب كتب للأطفال، وبعض الكتب الشعرية، وكتباً علمية ومراجع عن المنتجات الزراعية، وأرى أنّ الخطط المستقبلية للترجمة ينبغي أن تشمل المؤلفين الشباب والمخضرمين على حدٍّ سواء، المهم أن يكون في العمل الأدبي شيء خاص وجديد مختلف عن السائد، وأن يتمتع بالصدق، وأن يكون معبراً وفيه عمق إنساني، وعندها سيلامس هذا العمق القارئ أينما كان، حتى ولو تعلّق الأمر بمجتمع مختلف تماماً عن عالمه الغربي.
كان وجود كتب سعودية كثيرة في المعرض مترجمة إلى اللغة الألمانية مهماً، لأنّ المطلوب هو الوصول للمواطن العادي، والذي لا يتقن بالضرورة الإنجليزية، بل يريد الاطلاع على ما تمتلكه المملكة من ثقافة وفكر بلغته القومية، سواء كانت الألمانية أو الصينية أو غيرهما، كما يجب التوسع والاهتمام بعرض الأزياء التقليدية لمختلف مناطق المملكة. واقترحت تقديم أفلام تثقيفية توضح التطور التاريخي لمختلف المناطق في المملكة، وتنبه إلى أن المناهج الدراسية الأوروبية لا تقدم لطلابها معلومات عن تاريخ المملكة، ولذلك فإنّ تخصيص قاعة لعرض أفلام عن هذا التاريخ وعرض الآثار التي يمتد عمرها لآلاف السنين، بلغة الدولة التي يقام فيها المعرض، سيسهم في رسم الصورة الصحيحة للمملكة.