الرحلة تقلع الساعة المقننة من الزمن.. المطار في مدينة لا يكاد يصمت فيها صمت، ولا تسكن فيها سكينة..
الناس فيها شعوب، وقبائل لا يتعارفون إلا حين تجمعهم مصلحة..، وبعدها كل في ملكوته كالنمل...!
ومع ذلك تنساب في المطار الأمور بتلقائية مذهلة..
اتجه الناس للطائرة، وأخذ كل منهم مقعده.. استمع للتعليمات الأمنية، وإرشادات الرحلة..، سارت الطائرة بعضا من الوقت في مدرجها..، ثم توقفت فجأة.. ثوان وقدم قائدُها شخصيا الاعتذار للراكبين من عملاء شركته للطيران، ثم كرر الاعتذار بمزيد من اللياقة، واللباقة وهو يخبرهم بضرورة العودة للمطار فثمة خلل يحتاج إلى إصلاح، وحدد مكان الخلل، ومدة إصلاحه، وطلب من العملاء حين التوجه للمطار أن هناك من سيستقبلهم، ويعتني بهم، ويوفر لهم الخدمات الضرورية إلى حين عودة التوجه للطائرة..، وما لبث الجميع أن بدأوا يعيدون أشياءهم المتناثرة في أماكنها، ولم ينس قائد الطائرة أن يذكرهم بضرورة الاحتفاظ ببطاقة صعود الطائرة،..
وهناك في المطار كان هناك من استقبلهم بابتسامة، واعتذار، ثم رافقهم إلى مكان أعد لهم متوفر فيه ما يحتاج أحدهم، وما لا يحتاج إليه جمعهم من عصاير، وقهوة، بل وجبة خفيفة سريعة..
ثم كان هناك من يتفقدهم، وقد خصص وقته ليبقى معهم إلى أن تم إصلاح الخلل، وعادوا لطائرتهم بهدوء، وقبول..
الموقف ذاته حدث عند إقلاع طائرة بين مطارين داخليين عندنا..
كان قائد الطائرة، والمضيفين على درجة رفيعة من الذوق، واللباقة، وحين دعوا الناس للنزول من الطائرة وعدوهم بسرعة الإصلاح، لكنهم نسوا أن يذكروهم بالاحتفاظ ببطاقة صعود الطائرة معهم، وحين عاد الراكبون للمطار، ودخلوا من منفذ المغادرة لصالة السفر، وجدوا أنفسهم مشتتين، ليس من يجلسهم في مكان، وليس من يوجههم إلى مكان، وليس من يرافقهم بمعلومات.. حتى بعد مضي ساعة وأكثر في الانتظار إلى حين تم توفير طائرة أخرى، وتم الإعلان عن مغادرتها من بوابة أخرى غير التي أعيدوا منها ...
كانوا في شتات..، كلما سألوا أحداً يرتدي زياً رسميا سؤالا بخصوص الرحلة، قال لهم ليس من اختصاصي، لم يجدوا من يوفر لهم معلومة، أو يقدم لهم كأس ماء..
هناك من استسلم للنوم منهم، وفيهم من ذهب يحتسي قهوة، ومنهم من انتحى ليصلي مكانا، حتى هاج بعضهم وماج حين كان عليهم أن يتجهوا للبوابة الجديدة للمغادرة،..
ولم يكن التوجيه لها من قبل موظف رسمي، بل يخبر بعضهم بعضا..
وأخذ الجدل مكانه مع ضجيج منافذ المغادرة، وتلاسن بعض الركاب عند تسليم وثيقة صعود الطائرة مع الرجل الواقف جوار شاشة المعلومات..
فكبرت كثيرا في مجال البصر، والإبصار تلك الصورة الممائلة لما حدث في مطار تلك المدينة التي لا تعرف أطرافها، ولا تكاد تلم بتفاصيلها المولعة بالازدحام، وبالحركة، وبالحياة..
وهذه الصورة المربكة لثقة التعامل داخل أرضية مطاراتنا..
المؤسف أن اليقين يستقر بضرورة أن يتم تعهد خبرات العاملين في مواجهة الجمهور في مطاراتنا مع عملائهم..، مع أن هناك الدمث منهم، والواعي، وصاحب الشخصية الحركية ومن يملك لماحية للمواقف، وأسلوبا راقيا في التعامل، لكن في المقابل هناك من لا يدرك أهمية هذا..،
إننا بحاجة إلى إخضاعهم للتدريب، بل تعليمهم أساليب، وطرق التعامل مع المعلومة من جهة، ومع مستخدميها من جهة أخرى.. لترقى خدمة التعامل مع المستخدمين في أرض المطار من صدارة استلام بطاقة صعود الطائرة، وإلى مسار استلام الحقائب، إضافة إلى أسلوب موظفيهم.
وينبغي أن تكون أول المهمات للتوجه إليها من قبل الطيران المدني، والخطوط السعودية، هي معرفة القصور القائم، لأن خللا في الواقع ملموسا في التعامل مع عملائهم ولا ينبغي الصمت عنه.
فأقيموا لموظفيكم الدورات التدريبية لتعديل سلوك من يحتاج منهم لذلك، وإمداد خبراتهم، وتهيئتهم لعملهم بشكل فاعل.. مستفيدين من خبرات النظراء في مطارات العالم... من جهة، ولاتباع نهج محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم في خلق التعامل مع الآخر، وتحديدا صاحب الحق..!