إنَّ الإحساس بالرغبة في ممارسة أي من الفنون الإنسانية على اختلاف تنوعها، كعزف الموسيقى، أو الغناء المعتمد على جودة الصوت، أو التمثيل والقدرة على تقمص الشخصية، أو الفنون التشكيلية رسماً كانت أو نحتاً، دون إدراك بالقدرة على التعامل معها ومعرفة أبجديات سُبل التعبير فيها، سيوقع صاحب ذلك الإحساس في مطب الفشل؛ فالإحساس بالرغبة شيءٌ، والعمل بأدواتها شيءٌ آخر. وهذا ما يمكن التعرُّف عليه من خلال ما يقدَّم من مشاركات في مختلف فروع الفنون التشكيلية، وهي بيت القصيد هنا. فهناك من وجد في التجريد ضالته، وهناك من رأى في الحجر سبيلاً للمشاركات والحضور، وهناك من تسنم ظهر الحداثة وقدَّم أعمالاً، أجزم بأنه غير مقتنع بها..
كل هذا يحدث لفئات جاءت للساحة لأمرين، أولهما توقعهم أن فيها بوابة للشهرة، فضلوا الطريق؛ إذ إن هناك أبواباً أكثر وطرقاً أسرع، كالتمثيل والطرب؛ كون شهرة التشكيليين لا تتعدى رأس أنف إبداعهم. ولمن يريد الحقيقة فليذهب لأي مناسبة لافتتاح معرض من تلك المعارض التي يقيمها هؤلاء المتورطون بإحساسهم دون وجود قدراتهم. أما الأمر الآخر فهو إمكانية الكسب المادي، حينما يسمع أحدهم أن فلاناً باع لوحاته بالمبلغ الفلاني، برقم يفوق تخيله، فجاء بتجربته غير الناضجة أو إحساسه الذي يتوقف عند حدود الدهشة والإعجاب، وينتهي دون التنفيذ في حال دخوله المجال، ويُصدم بأن ما سمعه أو ما نُقل إليه ليس حقيقياً، وإنما (بروبقندا)، أحاط بها البعض أنفسهم.
ومن المؤسف أن ساحتنا التشكيلية أصبحت تعج بهؤلاء الذين تسببوا في خلط أوراقها، بعد أن وجدوا حماساً ممن يتابعونهم عبر الفيس بوك أو الانستقرام، ويمنحونهم الإعجاب والثناء؛ ما دفع بهم للساحة بكل عيوبهم، تتلقفهم صالات تجارية، تحاول سد رمقها بأقل قطرة تأتي من بيع المصادفة أو العطف من أحد أقارب مَن أقامت له الصالة معرضاً، أو شراء ما يمكن انتقاؤه ولو بصعوبة من الغث الذي يغطي جدران المعرض؛ ليتم تمريره هنا أو هناك عبر طباعته وتسويقه لمؤسسات ديكورات؛ لعل وعسى يعود ببعض المكاسب وإن قلَّت.
أعود للقول إن الفن يحتاج إلى مقومات وأسس، أهمها الموهبة، وثانيها الدراسة أو التدريب، وثالثها البحث والتجريب.. وفوق هذا وذاك الصبر والتأني والمشورة قبل أن يقدم الموهوب أعماله في معرض أو مشاركة تمثل الوطن، مع أن قبول تلك الأعمال لعرضها خارج الوطن أكثر إيذاء وإساءة لثقافة وفنون الوطن من عرضها في الداخل.