محمد الثقفي نحات عقد شراكة بين صلابة الحجر وليونة الخط العربي
تقديرا لحضوره المتميز وحصده للكثير من الجوائز وتطوير منتجه الإبداعي في مجال النحت، تلقى الفنان محمد الثقفي دعوة من مؤسسة أجنحة عربية للمشاركة في برنامج الإقامة الفنية بدولة الصين، بمشاركة مجموعة متميزة ومنتقاة من أنحاء العالم، حيث يشارك في دورته الحالية فنانون من أستراليا وإيطاليا والأرجنتين وأمريكا، حيث ستتضمن الأنشطة المقامة في هذا البرنامج ورش عمل في النحت وزيارة المتاحف وصالات العرض والاستوديوهات ومعامل سباكة البرونز والاستانستيل وستستغرق الإقامة مدة شهر.
والفنان محمد الثقفي من الجيل الجديد المثقف في مجاله الفني بشكل عام يملك مختزلا بصريا لمسيرة الفن التشكيلي على مختلف تخصصاته، ويجد في النحت ضالته من خلال تخصصه، حيث يحمل درجة البكالوريوس في التربية الفنية ويكمل دراسات عليا بجامعة أم القرى، مدعما إبداعه بالدورات المتخصصة في النحت، وباحثا جادا في كل ما فيه تطوير المنتجة النحتي، برزت خلال حضوره المتميز والمتواصل في المعارض والمسابقات ومد جسور حضوره داخل وخارج الوطن.
التعامل مع الحجر يختلف بين نحات وآخر، وتصبح الكتلة في دائرة قدرات النحات على استخراج الشكل من أعماقها وقليل من النحاتين استطاعوا ترويضها وتليينها وتطويعها لإبراز الفكرة، وكثير من الأعمال النحتية على مختلف الخامات حجرا كان أو خشبا أو تعامل مع الميديا بالمعادن أو خلافها لتشكيل جسد الشكل، وكثيرا ما شاهدنا خصوصا في محيطنا المحلي تجارب ما زالت في حدود ابحث في كيفية التعامل مع الأدوات أو الخامات السابق ذكرها، وتبرز إخفاقات وتظهر نجاحات مع أن الأعمال الناجحة ما زالت قليلة، فالغالبية ما زالت تدور حول نفسها وحول الكتلة (نحت الحجر) البعض من ممارسي النحت لجأ إلى الحجر الشديد المراس مثل الرخام محاولين بذلك إظهار قدراتهم في تطويعها فولد الشكل فيها مشوه وغير مكتمل، أما الجانب الأهم في هذا المجال يبرز في الفكرة المراد تنفيذها حتى لو كان المراد إنتاجه يميل إلى الناحية الجمالية الشكل أكثر من أن يكون له مضمون معين، وهو الجانب الأكثر كشفا لتدني بعد نظر بعض ممارسي النحت، حيث يبقون في حدود ما ينتهي به أدائهم على الكتلة وتحريك (الصاروخ) الاسم الذي يطلق على أداة الحذف والإزالة والكشط والتلميع التي يستخدمها غالبية الناحتين، التي سهلت للكثير الدخول في هذا المجال، مع التعامل معها لا يتعدى أسطح الشكل عكس ما كان يستخدم من أزاميل ومطارق لإبراز كل ما يمكن أن يخدم الفكرة..
واليوم وبعد هذه المرحلة والإنجازات الكبيرة في مسيرة الفنان محمد الثقفي نعود للرواء لاستعادة حوار أجريناه معه قبل فترة ليست قصيرة لنقتطع منه ما أبدعه في تشكي الكلمات، حيث يقول إن دخوله مجال النحت لم يكن عن طريق الصدفة أو لتلبية احتياجات المعارض والعرض والطلب، ولكنه وسيلة تعبير صادقة وجدت فيها ذاتي أكثر من غيرها من وسائط التعبير الفنية الأخرى، ولقد جاء اختياري لها بعد ممارسة العمل التشكيلي المسطح وشبه المجسم.. حتى توصلت إلى بغيتي وما يمثل إحساسي في الأعمال النحتية.
سألناه عن وجهة نظر نحات إيطالي قال إن ليس هناك نحتا في المملكة فقد علق عليها الفنان محمد الثقفي قائلاً:
أستغرب من ردة الفعل الغاضبة التي أثيرت حولها، فهي وجهة نظر أتفق معه فيها إلى حد ما، فعلى كل المقاييس الفنية والتاريخية وحتى الشخصية للفنانين لا يمكن لفنان عاش وسط بيئة نحتية كإيطاليا ومنحوتات عمرها آلاف السنين وفنانين أخذوا الريادة في هذا المجال وما زالوا، أن يرى ما يمارس في السعودية من بدايات وجهود فردية أنه نحت، فتلك هي الحقيقة إذ لم تتضح ملامح النحت عندنا وما زلنا نخطو الخطوة الأولى ولم نتجاوزها في هذا المجال، ويكفي أن تنظر إلى عدد من تستطيع أن تطلق عليهم مسمى فنان نحت حقيقي، فهم لا يتجاوزون عدد أصابع اليد الواحدة, وما هي إمكاناتهم النحتية والثقافية التي تؤهلهم للاعتراف بهم كحركة نحتية تضع بصمتها على الخارطة العالمية أو حتى العربية في هذا المجال.
مغازلة الحجر وتطويعه
المشاهد لأعمال الفنان محمد الثقفي يستطيع أن ينغمس في أبعاد إحساسه المرهف والعالي الذائقة تجاوز به الثقفي حدود الكتلة التي يمكن وصفها بالميتة لخلوها من الحركة إلى إيقاع خطي ولوني في قطع انسيابية تتمايل طربا وأحيانا تنطلق نحو الفضاء بصور متعددة يراها المتلقي بناء على ما اختزله من صور بصرية أما لجذع شجرة أو ورقة ذره أو برعم لزهرة برية.
الفنان الثقفي يغازل ويتغزل ويتحدث مع إبداعه الذي يقابله بالاستسلام لتطويعه، لم يتوقف الفنان عند حدود القطع وإزالة تشوهات الحجر أو الخامة التي يتعامل بها، مجربا ومحاولا أن ينتهي بشكل من أشكال النحت، متجاهلا النقص فيها، بل إن الفنان الثقفي يعي ما يقوم به مستبقا في تصوره لحظة البدء في التنفيذ، قدم في تجاربه الأخيرة مجموعة رائعة من الأعمال التي برز فيها الإضافات في الخامة أو العبارة بالخط العربي والحروفيات أو تطعيمها بالمعادن وخامات أخرى من المواد التي لا تحدث نشازا بقدر ما تصبح جزءا من التكوين.
لقد أصبح للفنان الثقفي خصوصيته وشخصيته وتجاربه المتجددة التي تدفعنا لاستشراف مستقبله والتوقع أن هناك جديدا مختلفا لكنه لا يخالف ما عرف عنه وعما يمكن أن نسميه نهجا أو مدرسة في فن النحت المحلي، هذا التميز والحيوية في الفنان محمد الثقفي تدفع الكثير لانتظار ما يمكن أن يعود به من تجربته في الصين الغنية بفنونها الجميلة المحتفظة بطابعها رغم ما شابها من دخول ثقافات أخرى.
monif.art@msn.com