أطلقت وزارة العمل عشرات البرامج لحل مشكلة البطالة، أحد أكبر التحديات التي تواجه الاقتصاد المحلي، وبالرغم من أن الإنفاق بالاقتصاد يُعد من أعلى المعدلات عالمياً، إلا أن الأثر على خفض معدلات البطالة ما زال ضعيفاً.. ففي بداية الخطة الخمسية الحالية والتي تنتهي هذا العام كانت نسبة البطالة 9.6% إلا أنها بدلاً من تراجعها للرقم المستهدف عند 5.5% ارتفعت إلى 11.7% حالياً، بالوقت الذي حققت اقتصاديات كبرى عانت من ركود اقتصادي قفزات كبيرة نحو خفض البطالة، إلا أنه في اقتصادنا رغم حالته الإيجابية من حيث الملاءة المالية والفوائض الضخمة والإنفاق الكبير على المشاريع الحكومية، اتجهت نسبة البطالة للارتفاع الأمر الذي يطرح تساؤلات كبيرة عن الأسباب ومدى قدرة الحلول التي تعمل وزارة العمل عليها لخفض نسب البطالة.
وإذا كان الكثير من الأسباب طُرح حول أسباب البطالة وأخذ مساحات واسعة من النقاش، إلا أن الأمان الوظيفي والذي يؤدي للاستقرار والإنتاجية الجيدة يُعد من أهم المرتكزات التي تساهم بخفض نسب البطالة وتغيير ثقافة راسخة بأن الأمان الوظيفي فقط بوظائف القطاع العام ليكون القطاع الخاص شريكاً حقيقياً باستيعاب الشباب السعودي ويحقق الأمان الوظيفي والاستقرار ويقلل من التدوير الذي يحدث فيه ومن خلال رصد رواتب السعوديين بالقطاع الخاص ونوعية الوظائف تتضح صورة كبيرة لأهم أسباب عدم شعور الشباب بالأمان الوظيفي إذ إن متوسط الرواتب ما زال ضعيفاً بصفة عامة بما يقارب خمسة آلاف ريال، إلا أن الأهم من هذا الرقم هو نوعية الوظائف التي استوعبت أعداداً كبيرة من الشباب ضمن برامج وزارة العمل والتي انصب أغلبها بقطاع التجزئة خصوصاً للإناث، وهذه النوعية من الوظائف لا يمكن أن تُوجد الأمان والاستقرار الوظيفي لفترات طويلة فهي لم تمثّل لشاغليها سوى محطة مؤقتة لهم، ريثما يحصلون على وظيفة حكومية.. فما هي مزايا وظائف تستند على أعمال متذبذبة ومنشآت صغيرة فلا يمكن لهم القيام بزيادات دورية للرواتب ولا توفير مزايا وظيفية جيدة مع احتمالات خروجها من السوق لأي سبب كان يُضاف لها بعض العقبات التي تواجه الإناث كصعوبات النقل التي ترهق ميزانيتهن وتأكل جزءاً كبيراً من الدخل والعديد من الصعوبات والعقبات التي ظهرت تباعاً بعد تطبيق البرامج الخاصة بسعودة قطاع كالتجزئة أو ما يشابهها بنوعية العمل ومزاياه.
وإذا كانت الوزارة تعتقد بأن الاتجاه بهذه الطريقة نحو التوظيف وخفض معدلات البطالة بأنه الحل السحري فهي لن تصل لنتائج مبهرة بالمستقبل، فالأمان الوظيفي ركيزة لاستقرار الموظف وعدم خروجه من عمله بوقت قصير ليعود لصفوف العاطلين عن العمل، وأي برامج تُضاف حالياً لمجرد الضغط نحو استيعاب أعداد من العاطلين تركز على الكم وليس الكيفية فلن تعدو نتائجها عما سبق، ولعل ما يجيبنا عن ذلك هو نية وزارة العمل تقديم مكافآت لمن يستقرون بوظائفهم لمدد تتجاوز العامين، مما يعني أن المشكلة قائمة وظاهرة بعدم استقرار الشباب بوظائفهم التي أتيحت خلال العامين الماضيين على وجه التحديد، وهي الفترة التي طُبّقت فيها أهم برامج وزارة العمل كنطاقات وحافز وكذلك حملة التصحيح لأوضاع العمالة الوافدة ونيتها إطلاق برامج جديدة كتنظيم العمل عن بُعد والذي يستهدف الإناث بدرجة رئيسية إلا أنه لن يضيف إلا تدويراً أكبر بالتوظيف وقد يكون باباً لنمط جديد من السعودة الوهمية فيفترض بمثل هذا البرنامج أن لا يشمل سوى من لديهم ظروف خاصة جداً تمنعهم من الوصول لمواقع العمل كالحالات الصحية أو الاجتماعية الخاصة، وأن لا يكون الباب مفتوحاً لاستيعاب أي عاطل عن العمل تحت هذا البرنامج، مما سيكون له انعكاس سلبي على ثقافة العمل وقيمته المادية والمعنوية.
إن البحث في مسببات الأمان الوظيفي والتركيز على تحقيقه يتطلب إعادة النظر بمفرزات تطبيق برامج وزارة العمل خصوصاً نطاقات، وإلا فإننا سندور بحلقة مفرغة لحل مشكلة البطالة على المدى المتوسط والبعيد فلا بد من إعادة النظر بنوعية الوظائف ووضع ما يعرف أنه لا يوجد استقرار خارج حسابات تقليص نسب البطالة وأن تكون كما هو معروف عالمياً بأنها مجرد محطات بحياة الشباب مثل الطلاب الذين يرغبون بتحسين مداخيلهم خلال فترة الدراسة أو الخريجين الجدد الذين لا يريدون الجلوس دون عمل حتى حصولهم على الوظيفة التي يطمحون لها، فيقومون بقبول وظائف لا تناسب تخصصاتهم لكنها تحقق لهم دخلاً يغطي مصاريفهم الشخصية وغالباً تتركز هذه الوظائف بمهن البيع والتجزئة عموماً وبعض الأعمال المشابهة لها بتدني المتطلبات وضعف الدخل، فحل مشكلة البطالة أوسع وأشمل من أي برامج تقوم أساساً على تحقيق خفض كبير بالبطالة بوظائف تحمل صفة المؤقتة بنظر طالب العمل لضعف دخلها ومزاياها وعدم الشعور باستقرار المنشأة نفسها لصغرها وطبيعة نشاطها والكثير من الاعتبارات الاقتصادية المحيطة بها.