الأعمال التجارية الحرة، المتوسطة منها والصغيرة لا تزال تهددها الأخطار، وتتقاذفها أمواج التهميش والتجاهل من قبل رؤوس وأنياب الأموال الكبيرة، والأفكار الاستحواذية المادية النهمة لبعض الوكالات الكبرى، والشركات العملاقة التي بات يراها البعض من صغار المستثمرين والعاملين بالمهن الحرة كياناً نهماً يشي بتجاوز الحدود التجارية والمفاهيم والقيم الإنسانية البسيطة التي ترتب العلاقة بين الإنسان ومنجزاته المادية.
الأعمال المتوسطة قد تكون أكثر حضاً وثباتاً من الأنشطة الصغيرة نظراً لوجود هامش من الحرية والانطلاق، بل ووجود رأس مال لا بأس به، يكفل للمشروع المتوسط أن يجد تمويلاً مادياً، من البنوك التي قد تفتح له أبوابها، ولكن بحذر شديد، لأن هذه البنوك غالباً ما تأخذ حقوقها كاملة، بل ومضافاً إليها كل ما تريده من زيادات ورسوم.
أما الأعمال الصغيرة فإن البساطة هي ما تجعلها تقف على قدميها، وقد لا تحسب الكثير من هذه المشاريع البسيطة والعفوية على أنها حالة تجارية، أو نشاط مالي، لأنها تنطلق بشكل فردي وبمحاولة أسرية، تسعى إلى كسب القوت على نحو إنتاج وتسويق بعض الأطعمة الشعبية التي تسجّل حضورها لدى ذائقة المجتمع، ليستطرفها، ويُقبل عليها، نظراً لأنها تنبع من صميم المجتمع ومن ذائقته ولا تدخل العملية الآلية أو العمالية أو الشركات التي باتت في كل حين تتصيّد أي فرصة للاستحواذ على العمل الشعبي من منطلق مقولة: «حرية السوق» التي يُروّج لها كثيراً.
فكلنا يذكر ما حلّ ببعض الأكلات الشعبية على نحو «البليلة» و«الذرة» حينما كانت ولأعوام تقدَّم بشكل شعبي، إلا أنه قد تم الهيمنة عليها كمنتج شعبي، وأصبحت تُنتج وتُسوَّق بأيدي عمالة أجنبية، لتتحوّل إلى مجرد أطباق شكلية لا روح فيها أو طعم أو ذوق يُستطرف.. حتى إن هناك من يتوجّس من أن تتحوّل بعض الأطباق الشعبية الخالصة على نحو «القرصان» و«المرقوق» و«الكليجا» إلى أعمال شركات تطمح للهيمنة والاستحواذ متى ما وجدت الفرصة مناسبة.
فكرة الاستحواذ رغم أذاها ومفهومها المهيمن والمسيطر إلا أن هناك من بات يروّج لها باعتبارها حقيقة، وهي في الأساس حس تجاري نهم، قد لا يقبل في حالات إنسانية كثيرة، على نحو مناصرة العمل التجاري المتوسط والبسيط أو المشاريع التي يلجا إليها بعض أفراد المجتمع بما يُعرف بالأسر المنتجة، حيث يسعون إلى تقديم منتجات مناسبة وسليمة وخالية من التعقيد والتصنيع.
وهذه الفئة من أهل النشاط التجاري البسيط أو الأعمال التجارية الصغيرة لا يريدون أي تدخل من قِبل بعض الجهات التي تسعى إلى إقحامهم بمشاريع أكبر من اللازم، فهناك من يعمل في هذه المهن من قبيل التكسّب والتجارة، وقد مضى عليه عشرة أعوام ونيف، متميزاً في عمله، وأثبت نجاحه في هذا المجال من الرجال والنساء.
فتنقّل هذه الأعمال والحرف بين المهرجانات والمناسبات الوطنية والتجمعات الاقتصادية أكسبها الكثير من الخبرة والمران، حتى إنها نجحت دون أن تدخل في أي تعقيد تجاري أو مالي، على نحو القروض البنكية، أو الدخول مع الشركات الكبيرة في أي صفة استحواذية قد تفشل هذا المشروع الصغير وتعيده إلى نقطة الصفر، وهذا ما لا نريده لهذه الفئة العاملة بجهد وصبر.