في الديوان صورة إنسانية معبرة بشكل هامس
يستهل الشاعر عبدالكريم النملة ديوانه الجديد «أيام لا تذبل فيها الورود» إيقاعه الشعري بهجس إنساني متأمل للحياة، ومتعمق في معانيها، ووجل في أكثر من موقف من تداعياتها التي باتت تصوغ خطاب الشعر على نحو ما لا يريده الشعراء.. إذ تتطلب حكمة الشعر أن يتوقف هذا الانهيار الكبير للذائقة نحو الشعر.. ليسهب النملة ومن معه من شعراء إلى تشكيل رؤية جمالية متجددة تستميل القارئ وتستدرجه نحو مضان الشعرية لكي يظل الوهج الوجداني قائما في تفاصيل القصائد في هذا الزمن.
سعى الشاعر النملة ومن خلال قصائد ديوانه إلى نقل الصورة الإنسانية المعبرة بشكل هامس مقتضب، يفي بمتطلبات الشعر حينما يرسم تفاصيل القصيدة بلغة سهلت، ومشاهد معبرة تتحدث عن الإنسان وهواجسه ومعانيه وما يواجهه من تفاصيل يومية تعزز حاجته للخطاب الشعر.
لغة الديوان رشيقة وكلماته الشعرية سهلة القياد، إذ تتكون اللغة من موقف إنساني معبر ينهض فيه الشاعر في القصيدة من هم عميق يسعى إلى تقديمه بصورة موائمة لمقتضى الحال، فهو ليس معنيا ـ كما يبدو ـ في كشف أوجه القصور في بناء العلاقة بين الإنسان وكل ما هو جمالي لأنه يتوسم بالقارئ فطنة ودراية لا سيما حينما يقرأ القصيدة الجديدة التي تعج بالكثير من الصور والمواقف والمشاهد الجديرة بالمتابعة:
« تاه الليل
قُضَّتْ خيوط العمر
وانحسر الربيع..
ضاع الطريق..ضاع البريق
وتساقط ورق السنين
الآفلات نحو المغيب
انفض عرس الأمنيات»
أسلوب الشاعر عبدالكريم النملة ينتهج فكرة التأمل الذاتي في العالم الخاص، ومن ثم الخروج إلى العام وفق رؤية تتعالق وتتشابه لتكون لنا أبعادا جمالية يلتقط فيها القارئ ثنائية تتلازم بالوصف وتفترق في المنهج، فالشاعر يحتكر في قاموسه الخاص العديد من الصور الحزينة ذات النكهة الوصفية لما يدور حوله، في وقت ينسج مخارج أخرى على العالم من حوله.
فحينما يجد من حوله من بشر وحياة متحولة وقد مسهم ما مس الشاعر، ليكون ذلك مدعاة لأن يتفاعلوا مع كل قصيدة في هذا الديوان المفعم بلغة الحس الإنساني المثقل بقضايا الوجود، وثقل المرحلة المتحولة عن كل ما هو جمالي وعفوي، لتتكون في خضم هذا الصراع الداخلي وطأة الهاجس المتبرم من مآل الأحلام إلى سراب أو قبض الريح:
«أين الوجود؟
أين الوجوه الناهلات؟
عطر الحياة
أين القلوب الوارفات؟
أين العيون الضامئات
.. عشق الصباح؟!
الفكرة التي يقوم عليها هذا الديوان تتمثل في تدوين رؤية إنسانية وشعور واعي وتقييم للعلاقة بين الشعر والناس، بل تكوين رؤى وجدانية تنسكب من معين الشعر لتروي عِطاش الأرض، متيقنا في هذه الجدلية العميقة أن الإنسانية لا شك أنها مصابة بمقتل في ظل هذه الغربة التي باتت تتعمق في الوجدان، فهاهو بفكرة القصيدة يقاوم وعثاء الحياة وصخب الحالة الإنسانية التي تزداد تشابكا وتعقيدا.
تفاصيل الحياة المعاصرة، وهموم الناس اليومية، وتحول الزمن الأليم في قلوب المطحونين والمسحوقين لفرط عنائهم هو ما يعبئ القصائد نكهة خاصة، يوجز الشاعر النملة في عرضها، لتأتي تنويعات شجنه مؤسسة على هامش الحياة المعاصرة.. تلك التي أصبحت غصة أليمة في تفاصيل الأيام التي تتواتر على الشاعر دون جديد يذكر:
«يا رفاقي
حلمي.. آل..
أوهنته الخطوب
زحف الموت إليه
من حشايا وسائدي..»
يعتمد الشاعر النملة في جل قصائده على الوصف ألإلماحي للمعاناة.. فهو ينطلق في كل قصيدة من نبرة حزن خاصة به، ليجعلها بيانا إنسانيا معبرا عن رؤية أو أمنية أو نقد أو عتاب مُرٍ في ثنايا هذه الإنثيالات الوجدانية إلا أن ما يأسرها في تكوين واحد هو المعاناة والاغتراب الذي بات سمة الإنسان في هذا العصر، فالأثر بلا شك يكون مؤثرا في الشاعر، ليكون الإحساس منطلقا تتوالى منه صور الرفض لكل ما هو مؤلم أو ينافي ذائقة الشاعر المكتنزة بمسحة من فأل يجاهد فيها ويصارع من أجل بقاء الحب والأمل والقيم الجميلة وهذا ما سعى إليه الشاعر النملة في تفاصيل هذا الديوان الرشيق في كلماته ومعانيه.
** ** **
إشارة:
- أيام لا تذبل فيها الورود (شعر)
- عبدالكريم النملة
- دار أزمنة ـ عمان ـ 2013م
- يقع الديوان في نحو (168صفحة) من القطع المتوسط