لم نكن ننتظر أن تتطور مخرجات التعليم الأولي فجأة، نظراً لأن العنصر الأساس في العملية التعليمية، أعني المعلم، لا يحظى بأي دورات تدريبية، وتطوير أداء، وحوافز، وعقوبات طوال فترة عمله، بل لم نكن نحلم بأي شيء أبداً في التعليم ما عدا توفير مبان مدرسية حكومية، في مختلف الأحياء والمدن، كما وعد الوزير في بداية استلامه حقيبة وزارة التعليم!
وكنا نستغرب كيف لا تنتهي أسطوانة المدارس المستأجرة، بل لماذا لا نحظى بمدارس متطورة كما في بلدان العالم المتقدِّم، بالرغم من كل هذه المليارات التي صُرفت على التعليم، حتى نشرت صحيفة الوطن خبراً مطولاً عن اتهام مئة مهندس سعودي بوزارة التربية والتعليم، وكالة المباني بالوزارة، بتنفيذ أعمال فاشلة، تسببت في مشاريع ضائعة، وأموال مهدرة!
هذا الخطاب الذي رفعه هؤلاء المهندسون الغيورون إلى نائب الوزير، تسرَّب إلى الإعلام، في ظل عدم تفسير المتحدث الرسمي للوزارة ما احتواه خطاب هؤلاء من اتهامات و»إبراء ذمم» كما وصفوا في خطابهم، وبعد أن فشلوا مراراً بالتفاهم مع وكالة الوزارة للمباني، يحتوي على نقاط مهمة للغاية، تكشف جزءاً مما يحدث بشأن المشاريع المتعثرة من جهة، والمشاريع المستلمة التي ثبت فشل بعضها لعدم دقة الإنجاز والتنفيذ.
ولعل الوزارة مثلها، مثل غيرها من الجهات الحكومية، تتسبب في تعثر مشروعاتها لعدم دفع مستخلصات المقاول أولاً بأول، بمعنى أن ثمة خللاً واضحاً في عمل الإدارات المالية في هذه الجهات، وعدم انسيابه بطريقة تكفل إنجاز المشروعات في أوقاتها المتفق عليها في العقود. أما لماذا يحدث ذلك، فالأمر يخضع للنظام المالي الحكومي، وكيفية عمله، والذي يحتاج إلى إعادة نظر من أجل انسيابه بشكل منضبط لعدم تعثر مثل هذه المشروعات التي تهم المواطن.
ولعل سخط هؤلاء المهندسين، وانتقادهم لعمل الوكالة، جاء من تعاقد الوكالة مع مهندسين أجانب، رغم خطط توطين الوظائف التي تنتهجها الدولة، وليت الأمر يرتبط بخبرات مهندسين أجانب من دول متقدِّمة، خاصة حين يعمل هؤلاء الأجانب مع المهندسين السعوديين الشباب، من أجل اكتساب الخبرات، ولكن الوكالة تتعاقد مع مهندسين عرب، قد نكون بحاجة إلى خدماتهم في زمن السبعينيات من القرن الماضي، أما في الألفية الجديدة، فنحن بحاجة إلى تعزيز قدرات شبابنا وطموحهم بخبرات أجنبية من دول أوروبية متقدِّمة فقط.
صحيح أننا ننعم منذ سنوات بميزانيات دولة ذات أرقام فلكية، ونعيش نمواً اقتصادياً جيداً ومريحاً لتنفيذ خطط التنمية، لكن مثل هذه الأرقام الجيدة، لا تخلق منجزاً حقيقياً، من غير كفاءة العمل الإداري، فقد نجد أنفسنا بعد سنوات قليلة قد أضعنا كل شيء على المكاتب الاستشارية، وعلى رواتب باهظة لاستشاريين لا يستحقون ذلك، في مقابل تعطيل توظيف مهندسين سعوديين يتم إرسالهم من وزارة الخدمة المدنية على وظائف شاغرة في وزارة التربية والتعليم، ولا أحد يعرف لم تتم إعاقة توظيف هؤلاء رغم حاجة الوزارة، وإدارات التعليم في المملكة لهم، رغم التلميح بأن مخصصات رواتب هؤلاء المهندسين المحرومين من الوظيفة، تستغل لسداد عقود استشارية، تتضمن رواتب عالية لمستشارين أجانب، مما يفقد الوزارة خدمات ثلاثة مهندسين سعوديين مقابل عمل مهندس أجنبي واحد!