قام شاه إيران محمد رضا بهلوي والمعروف بالبهلوي الثاني بوضع حجر الأساس للبرنامج النووي في 5 مارس 1957م بمساعدة الولايات المتحدة الأمريكية كجزء من برنامج الذرة من أجل السلام، وشاركت حكومات بعض الدول الأوروبية في دعم البرنامج النووي الإيراني حتى قامت الثورة في عام 1979م التي أطاحت بشاه إيران، إذ أوقف روح الله الموسوي الخميني إجراء البحوث في مجال الأسلحة النووية السرية للبرنامج تمشياً مع تعاليم الإسلام ثم سمح بحصر الاهتمام على إجراء بحوث صغيرة النطاق في المجال نفسه، كما سمح بإعادة تشغيل البرنامج في الحرب العراقية الإيرانية. وقد توسعت إيران في البرنامج النووي بعد وفاة الخميني عام 1989م بمساعدة وكالة روساتوم الروسية الحكومية، حيث شمل مواقع عدة مثل مرافق لمناجم اليورانيوم ومرافق لمعالجة اليورانيوم في محطات التخصيب ويعد مفاعل بوشهر أول محطة للطاقة النووية، وقد افتتح رسمياً عام 2011م، وتعتزم إيران على إنشاء مصنع جديد للطاقة النووية في دارخوين، وقد تم هذا النشاط الإيراني بسرية تامة تحت ضغوط أمريكية.
وأعدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA) تقريرها الأول عن توجه إيران في النشاط النووي (التخصيب والمعالجة) عام 2003م وزعمت إيران أن هذا النشاط لأجل أغراض سلمية لكنها لم تحددها مجالات هذه الأغراض، ثم فرض عليها عقوبات اقتصادية في الفترات المتتالية حتى عام 2013م الذي شهد حدثاً انتظره الإيرانيون طويلاً بعد وصول الدكتور حسن روحاني سدة الحكم ويتمثل في التقارب الأمريكي الإيراني ثم معاهدة إيران و(5+1) الذي يعني صراحة أن إيران قوة إقليمية ثانية بعد إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط.
مارست إيران في عهد الشاه دور الأخت الكبرى ودور شرطي الخليج وظلت على هذه الحال حتى تخلت عنها الولايات المتحدة في عهد الرئيس الأسبق جمي كارتر (Jamie Carter) وذلك عام 1979م، إذ تشكل مجلس التعاون لدول الخليج العربية في 25 مايو 1981م.
وفي عهد الخميني وهو رجل دين وسياسة وفلسفة، حيث حكم إيران من 1979م بعدما قادة الثورة التي أطاحت بالشاه واستمر حتى عام 1989م، قامت إيران بأدوار سرية وعلنية بعيدة عن الاستحياء ولأغراض غير سلمية؛ لتصدير الثورة وبالتالي تحقيق المد الشيعي الذي طال الكثير من دول العالم العربي السني متبعة سياسة النفس الطويل ومستخدمة الأسلوب الميكافلي بمهارة عالية فلأجل غايتها الإستراتيجية تبرر كل الوسائل، لذا تعمدت إلى خلط الطين بالعجين والباطل بالحق والشر بالخير والسياسة بالمذهب والطائفة بالجهاد.
لم تتردد إيران في إطلاق نعوت للدول الأخرى كالعمالة للإمبريالية الأمريكية والصهيونية أو العملاء الملاعين، كل تلك الممارسات تحت أعين ومسامع الدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة، وهي الدولة التي تعثرت في خطاها؛ بقصد الاحتفاء بالأخيرة بمجرد مغازلته لها وهي التي قد أسمته بالشيطان الأكبر.
وفي الوقت الذي تنفق الأموال الباهظة؛ لنشر التشيع وبالتالي غايتها الرئيسة وهي إيران الكبرى على أساس طائفي، يشكو الإنسان الإيراني في الداخل من مظاهر التخلف كالفقر والاضطهاد والتهميش والتمييز الطائفي، وهذا مؤشر على أنها تتبع سياسة غير متوازنة بين الداخل والخارج.
كما رعت الإرهاب فكرة وسلوكاً في الكثير من دول المنطقة بتمويل المخربين؛ بقصد إثارة القلاقل وزعزعة الأمن فيها، ومظاهر التدمير في كل من العراق ولبنان ودول الخليج وسوريا واليمن شواهد حية على عنفها ودمويتها، وتغلف ذلك كله باسم الشهادة تحت راية الإمام الحسين.
وأصرت على المضي قدوماً في تطوير برنامجها النووية على الرغم من تواصل تحذيرات المنظمات الدولية الداعية إلى وقف هذا التطوير وتهديدها بفرض عقوبات اقتصادية، التي لم يتضرر منها إلا الإنسان الإيراني البسيط.
واعتبرت العراق ودول الخليج جزءا لا يتجزأ من حلمها، وبررت هذا الحرص بأنها مغتصبة من مئات السنين وبالتالي لابد أن يعود الحق لأصحابه، ولذلك تحرص على نيل عضوية لها وللعراق في مجلس التعاون لدول الخليج العربية.
واستفادت بذكاء من خطة (سايكس بيكو 2) لمنطقة الشرق الأوسط الجديد، بحيث تستخدم الطائفية ووسائل الإعلام والإشاعات وقصص التاريخ المزيفة جنباً إلى جنب السلاح؛ للسيطرة على دول الهلال الإيراني ومن ثم تمكين أتباعها من شيعة العرب الذين يتغنون بها ليلاً ونهاراً على إدارتها وفق الأسلوب الإيراني كما فعلت بالعراق حيث يحكمه الآن شيعة العراق الموالين لإيران.
وبرعت في استخدام الطريقة الدبلوماسية؛ لإقناع العالم بأنها دولة حضارية تأخذ بالأساليب التي يرغب بها مجلس الأمن وتؤكدها سياسات الدول، لتحقيق غايتها، فاختارت الدبلوماسي المخضرم الذي درس في الولايات المتحدة؛ لشغل حقيبة وزارة الخارجية محمد جواد ظريف، وهو الرجل الذي كان منبوذاً لدى المحافظين المتشددين الإيرانيين؛ بسبب عمله الوثيق مع الدول الغربية نتيجة عمله السابق سفيراً لإيران لدى الأمم المتحدة، وقد ظهرت بجلاء حنكته الدبلوماسية والمصحوبة بابتسامته الصفراء في جولاته السابقة على انعقاد القمة الخليجية (34) وقدرته على إقناع بعض دول مجلس التعاون باسترداد الحقوق المسلوبة وقد كذب وهو صادق، بمعنى لا توجد نوايا لرد الحقوق مع الاعتراف بأنها مسلوبة، وإطلاقه الشعارات الداعية إلى رغبة إيران في توثيق العلاقات مع المملكة العربية السعودية؛ لإقناع العالم المراقب برغبة بلاده بفتح صفحة جديدة مع أقوى دول سنية في المنطقة وربما في العالم بأسره.
كل هذه الحراك بسبب السلاح النووي الذي جعلها وفق الرؤية الإيرانية والغربية تشعر بأنها وباستحقاق قوة إقليمية ثانية بعد إسرائيل لابد أن يعتد لها، بينما استحقت إطلاق لعنات متتالية وفق الرؤية الأخرى على هذا الحراك الإمبريالي.
إنها أمنية لمرحلة مقبلة قد تطول بأن يتعايش الإنسان السني والإنسان الشيعي معاً مراعين أخلاق الإسلام السمحة التي لا تجهلها الملالي الإيرانية ولا علماء السنة في دول الخليج ولاسيما أن حكومات هذه الدول أولت اهتماماً بشعوبها على حد سواء وهذا ملاحظ ولا يتغافل عنه إلا أعمى البصر والبصيرة.
وأمنية بأن يتطلع مركز حوار الأديان والمذاهب الفكرية إلى دور بارز؛ الهدف منه نشر مقومات التعايش الكريم بين المسلمين في مختلف أرجاء المعمورة، فالمسلم وبجدارة قادر على التعايش الآمن مع غير المسلم مهما كانت ديانته فمن باب أولى أن يتعايش مع أبناء ديانته.
وأمنية أخرى بأن يتعلم صانع القرار في إيران دروساً من التاريخ، درس من تخلي أمريكا عنه في عهد كارتر رغم أنه كان حليفاً مقرباً، ودرس من التحولات في موازين القوى في العالم إذ تلاشى الاستعمار الإنجليزي والاستعمار الفرنسي من الوجود، وذهب الاتحاد السوفيتي من غير رجعة، ودرس من الانحسار التدريجي للدور الأمريكي، وأخيراً درس من الحروب والمؤامرات التي خاضتها في العهود السابقة، كل هذه الدروس وأكثر تجعله يتخلى عن غطرسته ويصوب اهتمامه إلى الإنسان الإيراني في الداخل ويكون همه الأول الارتقاء به كما اهتم ببناء وتطوير قوته النووية.
وأمنية أخيرة بأن يأخذ الشيعي العربي ولاسيما الخليجي دروساً من عنصرية الشيعي الفارسي وما شيعة العراق عنه ببعيد.
أسأل الله أن يحفظ بلاد المسلمين كافة, وينزل سكينته على قلوبهم، وتعم المحبة والاحترام المتبادل للعيش الكريم، ويكونوا صفاً واحداً كالبنيان المرصوص أمام جشع الدول ذات الهيمنة، إنه جواد كريم وبالإجابة جدير.