حملة تصحيح أوضاع العمالة المخالفة ليست الأولى من نوعها في المملكة العربية السعودية؛ إذ سبقتها حملات مشابهة في الهدف، لكنها تختلف عنها في الجمهور المستهدف؛ إذ توجد حملة التعداد السكاني لحصر السمات الديموجرافية للسكان والمساكن، وحملة الشهادات الوهمية لدرجتي الماجستير والدكتوراه، وحملة وزارة الصحة للكشف عن المشتغلين بمهن ليست من اختصاصاتهم... إلخ.
لكن هذه الحملة هي الأشهر نظراً لخطورتها في التركيبة السكانية، والتنمية الاقتصادية. وعندما تتم مقارنة إيجابيات هذه الحملة بسلبياتها فلا شك أن الناقد الموضوعي لا يعير هذه السلبيات إلا درجة منخفضة من الاهتمام نظراً لأن هذه الحملة استهدفت تحقيق المصلحة العامة أولاً، وتراعي مصلحة العمالة ذاتها ثانياً. وأعتقد أن هذا الترتيب في المصالح يقبله العقل الراجح والمنطق السليم والمواثيق الدولية.
وكانت هذه الحملة منتظرة لدى الإنسان السعودي والإنسان المقيم على حد سواء؛ إذ انتظرها المواطن نظراً لتزايد أعدادها، ومنافستها له في الاستفادة من الفرص المتاحة في سوق العمل، ومزاحمتها له في اقتناء خيرات البلاد، وتشكيلها خطراً عليه عند التعامل معها، وتصديرها أموالاً طائلة للخارج، وتشجيعها العمالة غير المخالفة على احتذاء طريقتها في الإقامة، وتكوينها أسواقاً سوداء للتعاملات غير القانونية.
كما انتظرها المقيم نظراً لأنها تزاحمه في الرزق، فتقدم خدماتها بأسعار زهيدة، وتقيم في البلاد بدون استحقاق قانوني خلافاً له؛ إذ ينفق هو أو كفيله مبالغ ليست بالقليلة لأجل الإقامة النظامية. وفيما يأتي عرض لبض ثغرات حملة التصحيح وبعض التطلعات، وذلك على النحو الآتي:
أولاً: الثغرات:
على الرغم من هذه الإيجابيات، والخافي منها أكثر، إلا أن عليها ملاحظات، وهذا بطبيعة الحال سلوك الإنسان مهما جند وقته وماله وطاقته. ومن هذه الملاحظات:
- التأخر في تطبيق الحملة حتى تزايدت أعداد العمالة المخالفة، وأضحت تنافس أعداد المواطنين والمقيمين النظاميين. ويتطلع الجميع إلى أن تتكرر هذه الحملة؛ ليكون المجتمع السعودي مضرب المثل في تطبيق قوانين الإقامة على المخالفين.
- التطبيق المفاجئ لها، فبعد موافقة مقام مجلس الوزراء الموقر بادرت وزارة العمل، بمساعدة وزارة الداخلية، بالتفتيش الميداني على العمالة المخالفة في الأماكن المتوقع توافرها فيها، وهذا تسبب في استغراب العمالة لهذا الإجراء، بل ربما أحدث المقاومة المضادة للمفتشين الميدانيين ورجال الأمن.
- غياب التوعية الإعلامية بمنافع هذه الحملة على مستوى البلاد والمواطن والمقيم، وجدية الدولة في محاسبة كل من يقصر في الاستجابة لتعليمات هذه الحملة. وكان من المناسب التنسيق مع وزارة الثقافة والإعلام لعمل برامج توعوية للعمالة المخالفة والجهات التي تتبناها، وتستغرق مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر كاملة. ويوضح في هذه البرامج رؤية الدولة وأهدافها ورسالتها من هذه الحملة.
- تضرر أصحاب الأعمال من هجرة العمالة المخالفة للعمل؛ الأمر الذي تسبب في تحقيق خسائر مالية عليها، والأولى الاستفادة من خبرات مديرية الدفاع المدني في الوصول لهؤلاء.
- عمل دورات تدريبية قصيرة للمفتشين ولرجال الأمن، تتضمن موضوعات عن الخلفية النفسية والاجتماعية والثقافية للعمالة المخالفة، وأساليب التعامل معها، وردود الأفعال المتوقعة منها، والسبل الوقائية والعلاجية للحد من تجاوزاتها.
- التواصل مع الكفيل الأول بالنسبة للعمالة المنزلية المغرر بها والهاربة منه؛ بقصد تقديم التعويضات المالية التي دفعها في استقدامها لبيته وعائلته عند تصحيح وضعها، ونقل كفالتها إلى كفيل جديد؛ إذ ليس من المقبول شرعاً ولا قانوناً أن يتحصل الكفيل الأخير على عمالة لديها الوثائق الرسمية، وتكون سارية الصلاحية بيسر وسهولة.
ثانياً: التطلعات:
لقد سنّ مجلس الوزراء الموقر سُنّة حسنة بالموافقة على حملة تصحيح أوضاع العمالة المخالفة، ويا حبذا أن تتسابق المؤسسات الحكومية والأهلية الخدمية والإنتاجية بالاستفادة من تجربة وزارة العمل في تطبيق هذه الحملة مع تجاوز سلبياتها، ومن هذه التطلعات:
- تعميم هذه التجربة لوزارة العمل، المتمثلة في تقصي العمالة المخالفة على مكاتب الاستقدام؛ إذ يلاحظ من يتعامل معها أنها تعمل وفق مصالحها الخاصة، ولا تعير مصلحة المواطن الاهتمام اللازم. فلا تتقيد بشروطه عند استقدام عمالته المنزلية رغم توقيع عقد بينهما يتضمن من بنودها شروطه.
- عمل برامج توعوية للعمالة المصححة أوضاعها من خلال وسائل الإعلام المختلفة باحترام المواطنين؛ إذ اتضح بعد انتهاء مدة التصحيح التي استغرقت سبعة أشهر حصول تجاوزات لهذه العمالة على الإنسان السعودي عندما يتعامل معها في مختلف مواقع وجودها في تعبيراتها اللفظية أو تعبيراتها غير اللفظية، كنظراتها وعلامات وجوهها وحركات أياديها.
- قيام أمانات المناطق الإدارية في المملكة بالاستعداد المبكر لفحص قنوات تصريف مياه الأمطار والسيول المنتشرة في مواقع مختلفة؛ لئلا تحدث كوارث على الأفراد والبنية التحتية.
- تطبيق لائحة موحدة لأسعار المواد والأغراض الضرورية والكمالية للإنسان؛ إذ الملاحظ تفاوت في الأسعار بين المحال التجارية المتقاربة جغرافياً للبضاعة نفسها.
- تطبيق لائحة موحدة للأراضي البيضاء، فعندما تريد شراء قطعة أرض فإنك ستجد عروضاً مختلفة لها.
- تطبيق لائحة موحدة لفئات المدارس الأهلية وتكاليف الالتحاق بها؛ إذ تتفاوت في رسومها ومطالبها التي يتحمل أولياء أمور الطلاب توفيرها.
- قيام وزارة النقل لمواجهة مشكلة بدأت تظهر إلى حيز الوجود، وهي تحويل بعض الأشخاص سياراتهم الخاصة إلى أجرة ليموزين مزورة، وذلك بوضع ملصق أجرة مغناطيسي على الأبواب الأمامية، ووضع كشاف تاكسي في أعلى السيارة، ووضع ملصق برتقالي على الجزء الطولي الأيمن من لوحة السيارة الخلفية.
- قيام إدارات المرور بضبط السيارات المتهالكة التي تستخدم من قبل العمالة منعاً لحصول حوادث بسببها.