لكل مهنة إنسانية ما يناسبهـا من الأخلاقيات، مهمتها ضبط سلوكيات الأفراد المنتمين لهذه المهنة، وتوجهها وفق أهداف المؤسسة التـي ينتسبون إليها.. وظهرت الحاجة لرصد أخلاقيات للمهن نتيجة وجود تصرفات غير....
.... أخلاقية للعاملين كل في مجاله العلمي والعملي، مع أن ثوابت المجتمع والأعراف الأكاديمية تُجرِّم من يسوء فكره ومنطقه وفعله على نفسه والآخرين.
والجامعة واحدة من المؤسسات النظامية في المجتمع، وهي المعنية بتشكيل طلابها وفق أهدافها التي لا تتعارض مع مقاصد التربية في المجتمع، وبالتالي تشبع حاجات المجتمع من مخرجاتها المؤهلة خلقاً وعلماً، وحتى تحقق الجامعة غايتها تلك، فإن عليها التزاماً بتفعيل أخلاقيات المهنة الجامعية تجاه أعضاء أسرتها بدون تمييز أولاً ومن بينهم طلابها، ثم محاسبة طلابها في التزامهم بأخلاقياتهم.
فقد توصلت كتابات عن دور الجامعة في تنمية شخصية الطالب إلى أن الدراسة الجامعية كما يدركها الطلاب تؤدي إلى تغيُّر إيجابي في شخصية الطلاب بوجه عام، وأكدت أخرى عن جدوى وجود ميثاق أخلاقي في الجامعة على سلوك طلابها، إذ طُبقت دراسة على4000 طالب موزعين على 31 جامعة أمريكية أثبتت أن نسبة الغش في الامتحانات بين الطلاب الذين ينتمون إلى جامعة لديها ميثاق أخلاقـي يصل 54%، في حين بلغت نسبة الغش في الجامعة التي لا يتوافر لديها ميثاق أخلاقي71%.
ويستحق طالب الجامعة هذه العناية فهو عضو مهم في أسرتها، وشريك نشط في تخطيط وتنفيذ وتقويم العديد من فعالياتها والتي تتعلق بوظائفها الرئيسة، وأحد أركان العملية التعليمية، وعنصر فاعل في تقويم أداء مُدرسيه، ورقم صعب في صناعة سمعتها وهيبتها في المجتمع.
لذا بات من المؤكد أن تكون له أخلاقيات متنوعة تتناسب مع مسئولياته داخل مؤسسته التعليمية وتختلف عن أخلاقيات عضو هيئة التدريس، لذا يلزم جامعته أن تساعده على الإحاطة بمصفوفة الأخلاقيات التي تُعينه على طلب العلم على نحو سليم، الأمر الذي يقوده إلى النجاح والتخرج منها في الوقت المحدد لائحياً.
ويساعد وجود منظومة من الأخلاقيات على وضوح مفهوم سلوك الطالب المثالي في الجامعة، وبالتالي يسهل تفعيلها، ومحاسبة المقصر، ولعل هذا مـا يبرر اهتمام أعلام التربية القدامى منهم والمعاصرين بها، الأمر الذي يجعل الحاجة مُلحة أمام الأكاديميين والممارسين في مؤسسات التربية في المجتمع، للعمل على التعرُّف على أخلاقيات طالب العلـم، وتدريبه عليها، لئلا يشعر بالغربة العلمية والاجتماعية والثقافية فيها.
وتُعين الأخلاقيات طالب الجامعة على الارتقاء بسمعة الجامعة التي يدرس فيها، إذ إن أعضاء هيئة التدريس ليسوا وحدهم من يصنع سمعة علمية وبحثية للجامعة في الأوساط الأكاديمية والبحثية من خلال إنتاجهم العلمي وأنشطتهم العلمية، فالطالب شريك فاعل في الصيت المتميز، إذ تؤكد ذلك الاتجاهـات الحديثة في التعليم الجامعي.
والتحلي بأخلاقيات الطالب الجامعي من شأنه أن يُمكِّن الطالب من الحدِّ من حدوث مظاهر الهدر التربوي على تنوعها وآثارها، فعندما يلتزم الطالب بالانتظام في حضور محاضراته، فإنه يعمل على منع حدوث مظهر للهدر وهو الحرمان من دخول الاختبار النهائي لمقرر ما.
تُواجه طالب الجامعة اليوم تحديات تؤثر في روحه وفكره ومنطقه وفعله، وقد تزيِّن له التحلل من الضوابط التي يرتضيها المجتمع وترتضيها الجامعة، وبالتالي يرتكب سلوكيات قد تتسبب في سوء علاقته بربه، أو تسهم في تدني ثقته بنفسه، أو تؤدي إلى ضعف في دراسته، أو تسبب توتراً في علاقته بمدرسيه وزملائه، أو يكون عضواً مزعجاً في جامعته ومجتمعه.. وهذه الحال لا يرتضيها طالب الجامعة لنفسه، وبررت كتابات عدة هذه الحال له بسبب جهله بسمات طالب الجامعة المثالي وواجباته، وبالتالي فإن تصرفات البعض منهم تستند على مبدأ المحاولة والخطأ، والبعض الآخر على قلة الاكتراث.. لذا أوصت بتحصينه بالأخلاقيات التي يجب أن يلتزم بها في كافة تفاعلاته في الحياة الجامعية ليُواجه هذه التحديات باقتدار.
لقد قمت بإعداد دراسة عن هذا الموضوع الحيوي ونشرَته مشكورة المجلة التربوية التي تصدر في جامعة الكويت في عددها 106 الجزء الثاني لعام 2013م بعنوان “ميثاق أخلاقي لطالب الجامعة السعودي في ضوء الفكر التربوي المعاصر”.
وأعتقد أن هذه الدراسة من المحاولات النادرة في مجال أخلاقيات طالب الجامعة، وأنها رصدت جملة من الأخلاق التي يسهل توصيلها للطالب ولا سيما الطالب المستجد، وأنه يمكن أن تتجه الجامعة إلى تبنيها وعمل ميثاق أخلاقي رسمي منها يوزع على طلابها.
وتناولت الدراسة عدداً من الأخلاقيات التي يجب أن يلتزم بها طالب الجامعة ووزعتها إلى مجالات سبعة هي: أخلاقياته نحو، ربّه، ونفسه، ودراسته، ومدرسيه، وزملائه، وجامعته, ومجتمعه.. وحددتُ لكل مجال آليات لتحقيق أخلاقياته، وأبرز آثاره التربوية.
وبررت أهمية دراسة أخلاقيات طالب الجامعة كإثارة اهتمامه وتفكيره في طبيعة دوره، وإشعاره بالمسئولية تجاه جامعته، ويمكنه من اتخاذه كمعيار لمقارنة الأعمال الفعلية بالمثالية، ويوضح له مستوى التحسن في أدائه، ويراجع لأهداف التحاقه بالجامعة، ويثير روح المنافسة الشريفة بينه وزملائه، لدلك بات من المهم التأكيد على دور الجامعة في تنمية شخصية طلابها، والله الهادي إلى سواء السبيل.