قال الشيخ الدكتور عبد الرحمن العصيمي لـ«الجزيرة»: «أن الاتهام في الشريعة الإسلامية له إحدى عقوبتين، الأولى وهي الاتهام بالفاحشة وتستوجب الحد الشرعي للقذف كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}؛ فمنطوق الآية أن من اتهم بدون بينة حتى ولوكان صادقاً لكنه لم يستطع إثبات ذلك، فرتب الله على فعله ثلاث عقوبات: الجلد ثمانون جلدة.
وردّ شهادته لكونه لم يستطع إثبات تهمته، والحكم بفسقه، أما العقوبة الثانية فهي التعزير، وهي عقوبة غير محددة يجتهد فيها القاضي وهي لمن اتهم الآخرين بغير الفاحشة بتهم مؤذية، كالاتهام بشرب المسكر أو بالعلاقات المحرمة، قال ابن فرحون (ومن آذى مسلماً بلسانه بلفظ يضره ويقصد أذاه , فعليه في ذلك الأدب البالغ الرادع له).
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية: «فيمن شتم رجلا وسبه؟ فأجاب: أما إن كان محرما لعينه كالقذف بغير الزنا، فإنه يعزر على ذلك تعزيرا بليغا يردعه وأمثاله من السفهاء».
وأضاف: «من اتهم أحداً بأي تهمة، وأراد الإنسان ردّ اعتباره، فقد كفلت الشريعة له ذلك، وكذلك نصت الأنظمة على أن له أن يأخذ حقه، برفع دعوى على الآخر؛ ليثبت ما تفوه به أو تتم معاقبته».
وبيّن الدكتور أن: «الاتهام أياً كان، فيه تشويه للسمعة أو قذف للآخرين بالفساد والمنكر أو اتهام لهم بما ليس فيهم، وهذا كله مما حرمته الشريعة، فحفظ العرض من الضروريات الخمس التي تواترت الأدلة الشرعية والعقلية في جميع الشرائع على حمايتها وحفظها، والعرض هو : موضع المدح والذم في الإنسان من جسدٍ أو نفسٍ أو حسبٍ أو شرفٍ، فأي كلمة يتهم فيها المسلم أخاه بدون بينة أو برهان، فهو أمر محرم لا خلاف في تحريمه. كذلك أن اتهام الناس بالنقائص وبما يتنزه عنه كل مسلم أن يوصف به، وخاصة ما يدنس العرض من اتهامٍ بفاحشة أو اتهام بتناول ما حرم الله عز وجل، فيه إشاعة للفاحشة بين المؤمنين واستساغة لذكرها وتداولها وتهوينها، وقد ذم الله هذا الفعل، فقال سبحانه وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}، مضيفا أن: «اتهام الإنسان بما ليس فيه أو بدون بينة من الظلم المحرم.
وقد حرّم الله الظلم على نفسه وحرمه على عباده، وإن من أشدِّ أنواع الظلم: اتهام الإنسان لأخيه البريء ورميه بما ليس فيه، وقد ورد في الحديث القدسي: «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا، فلا تظالموا».
مؤكدا أن: «الله -عزَّ وجلَّ- حرّم السخرية بالمسلم، ونهى عن لمزه وغمزه وتنقصه، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}، فلا تجوز السخرية والتنقص من المسلم حتى ولو كان بأمر متحقِّق وواقع فيه، فكيف إذا كانت تهمة بأمرٍ ليس فيه، فهو أشد حرمة وأعظم إثماً».