أحياناً تفاجأ بالحقيقة المرة تأتي في لحظة واحدة، ومن مصادر عديدة يعزز بعضها الآخر وبشكل عجيب وغريب.. «الاثنين الماضي» ومن صحف ثلاث هذه المعلومات:
* «راشد محمد الفوزان» يكتب في «الرياض الاقتصادي» تحت عنوان «زيادة الفساد»، عن دراسة تقدم بها لمنتدى الرياض الاقتصادي الدكتور أحمد الصقيه، وخلُص فيها إلى أن الفساد يزداد في المملكة رغم وجود هيئة مكافحة الفساد، وينتشر في المستويات الإدارية العليا والوسطى الحكومية أكثر منه في الدنيا، ويتمحور في «الواسطة» بنسبة 1،92%، وإساءة استخدام النفوذ بنسبة 8،80 %، وتشير الدراسة إلى أن أهم أسباب انتشار الفساد يعود إلى ضعف الوازع الديني بنسبة 9،87 %؟!
* في « اقتصاد « «الجزيرة «آل معيقل: 75 % من الوظائف تتركز في 3 مدن.. و»العمل عن بعد حل للمناطق النائية؟!.
* في «الشرق « ووفقاً لإحصائيات مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات للربع الثالث من العام 2013م سجل معدل البطالة انخفاضاً طفيفاً ليصل إلى 11.7% نزولاً من 12% في عام 2012 م، ولعل من الأمور اللافتة للنظر أن أعلى معدلات البطالة بين السعوديين سجلت في فئات الحاصلين على شهادة البكالوريوس بنسبة 48% ؟!.
هذه الأخبار الثلاثة لا تعدو أن تكون بمثابة المقدمات - حسب المنطق الأرسطي - والنتائج المتوقعة في ظل هذه المعطيات ما يلي :
* تلاشي الطبقة الوسطى، وتعزز وضع الطبقة المتنفذة التي تشغل المناصب العليا وتؤمن بالواسطة وغالباً ما تتمركز في المناطق الثلاث على وجه الخصوص.
* اتساع الفجوة بين الطبقة الغنية و الأخرى الفقيرة، إذ من المتوقع في الزمن المتوسط وحسب هذه المعطيات الواردة أعلاه، افتقار سكان المناطق التي نعتها «المعيقل» بالنائية، جراء عجزهم الحصول على « واسطة « و احتكار الرياض وجدة والشرقية الوظائف التنموية الموجهة والمؤثرة التي يتطلع للانتظام بها وشغلها المواطن السعودي الساكن في جميع مدن وقرى وهجر المملكة، في المقابل زيادة الثروة في يد فئة المتنفذين الواصلين عن طريق» واسطة «، شاغلي الوظائف العليا خاصة أهل المدن الثلاث.
* عجز القطاعات التنموية الوفاء بمتطلبات المواطن السعودي قاطن المناطق الموصومة بالنائية، ومن ثم الهجرة إلى المدن الثلاث بحثاً عن لقمة العيش، ولك أن تتخيل ماذا سيكون عليه الحال لو صار ما في البال؟!.
* ممارسة الوصاية من قبل الفئة التي لها واسطة وترقت في الوظائف المتمركزة في المدن الرئيسة وصولاً للمراتب العليا، إذ هي غالباً من سيترشح من قبل أصحاب المعالي الوزراء للعمل مديري عموم ممثلين لهذه الوزارة أو تلك في الإدارات المختلفة بالمناطق النائية، والواقع خير شاهد وأعظم دليل على هذه التراتبية التي قد لا تكون في منظور الكثير، وحائل التي أعرفها جيداً مثال يمكن القياس عليه.
* ارتفاع نسبة البطالة في المناطق النائية بشكل كبير وسريع، فإذا كانت نسبته الوطنية 11.7% فإن الاحتمال كبير في أن تلامس بالمناطق المنعوتة بهذا النعت الغريب الـ20%، وهذه نسبة مخيفة جداً وقد تقود إلى توطن الجريمة وتعزز مظاهر الفساد الخلقي المتولد عن الحاجة والفقر لا سمح الله، وربما أدت البطالة عنده وصولها إلى حد معين لضعف الانتماء والشعور بالوصاية التي يمقتها من يحمل مشاعر المواطنة الحقة ويفخر ويفاخر بذلك أينما كان، كما أنها تؤدي إلى فقدان الثقة بما يملكه ساكنو هذه المناطق من معارف ومهارات وقدرات تتقازم إزاء ما لدى مدن النفوذ الكبرى، وهذا مؤذن بتولد المناطقية وتعزز العنصرية ذات الأثر السلبي على التنمية المجتمعية والتوزيع العادل للثروة الوطنية والنهضة والتطور والتقدم الشمولي المستدام والمنشود والمطالب به من لدن مقام خادم الحرمين الشريفين حفظه الله ورعاه.
* بقاء الجامعات «الناشئة» ناشئة لفترة قادمة وربما تطول، وهي في مثل هذا الوضع الصعب وبهذا الوصم الغريب تحتاج إلى مساندة غيرها من الجامعات العريقة الداخلي منها والخارجي، وستظل تفتقد إلى مقومات البقاء والتطور والنماء، وجزماً ستبقى في سلم الترتيب الوطني تأتي تالياً مهما بذلت من جهد وأنفقت من مال، وخريجوها سيكونون في الغالب الأعم أرقام جديدة في قائمة البطالة كما تدل النسب الواردة أعلاه، ويدعم هذه ويعززه تمركز الوظائف في المدن الثلاث، وتشرب مجتمع الوظائف العليا لما يعرف مجتمعياً بالواسطة وعدم فصله بين الوظيفي والشخصي واستغلال النفوذ بشكل كبير حتى صارت كل هذه المفردات في منظومة العمل الإداري الحكومي ظواهر تخضع للبحث والدراسة!!، ومن أراد الدليل فليسأل عن حال خريجات جامعة حائل وبتقاديرا مميزة ومرتفعة جداً، وبتخصصات نادرة ومطلوبة في سوق العمل السعودي والخليجي والعالمي كهندسة الحاسب الآلي، ونظم المعلومات الإدارية، والعلوم بمختلف فروعه فضلاً عن التخصصات الإنسانية على وجه العموم، وبالألف ومنذ زمن وإلى أجل غير قريب!!؟ دمتم بخير والسلام.