كتبت في الأسبوع الماضي حول حالة المرور في مدينة الرياض، وكونها فوضى تستلزم حلولاً عاجلة قبل أن تتفاقم، وبدعوة كريمة من سعادة العقيد علي الدبيخي - مدير عام مرور منطقة الرياض- زرت إدارة مرور الرياض بالناصرية واطلعت على جهود إدارته في التعامل مع تحديات إدارة الحركة المرورية في الرياض، وخلال الحديث مع سعادته تبلور في ذهني تصوّر أوضح عن هذه الفوضى في الحركة المرورية، ودور المرور كإدارة في معالجتها بما يتوفر له من إمكانات وقدرات. لذا سأتكلم اليوم وفي مقالات قادمة أيضاً عن هذا التصوّر، حتى تكتمل الصورة للقارئ الكريم.
معضلة المرور في الرياض يسببها بصورة مستدامة عاملان متضافران كل منهما يغذي الآخر، الأول هيكلي يتمثّل في واقع القصور التخطيطي للمدينة، حيث نمت المدينة نمواً عضوياً وبتسارع كبير شكَّل تحدياً للفكر التخطيطي للمدينة فنتج عن ذلك قصور في المرافق والمتطلبات الهيكلية للمباني والشوارع؛ فمعظم مباني المدينة التجارية تفتقر لمواقف السيارات خصوصاً في مناطق الارتياد والازدحام، وكذلك ضعف التخطيط البنائي للمدينة من حيث توزيع مناطق الارتياد ودعم ذلك بالطرق المناسبة، فأصبحت معظم الطرق بحاجة لجراحات عاجلة حتى تستجيب لمتطلبات المدينة، فاتخمت المدينة بمشاريع الجسور والأنفاق والتحويلات، ولسنين طويلة أهمل تنظيم النقل العام، فتعوَّد الناس الاعتماد على جهودهم الخاصة في التنقّل باستخدام مركبات بعضها لا يصلح للوقف فما بالك بالسير، الجزء الآخر من المعضلة الهيكلية في حالة المرور بالرياض وربما عموم المملكة، هي سياسة ونظام وتجهيزات تنظيم المرور، وهذه أيضاً لا تقل تأثيراً عن قصور التخطيط البنائي للمدينة، فالسياسة المرورية مشتتة بين عدة جهات وزارة الداخلية لها جانب ووزارة النقل لها جانب والأمانة لها جانب ووزارة التجارة لها جانب وربما لوزارة الصحة أو الهلال الأحمر جانب أيضاً، وليس بين هذه الجهات تنسيق يُذكر لتسهيل تطبيق هذه السياسات، لذا يجد رجل المرور عبئاً كبيراً في التوفيق بين هذه السياسات، حيث هو المكلّف بتنفيذها على الواقع، أما التجهيزات والنظم فلها مقال قادم خاص.
العامل الآخر في معضلة المرور هو السلوك الفردي والجماعي في المرور، فمعظم قادة السيارات نسي نظم المرور التي ذاكرها ليجتاز اختبار القيادة وتسلّح بنظام القيادة الأنانية وأصبح يسير بالشارع وكأنه يسير وحده، ويقف كيفما اتفق ولا يهتم بحقوق الآخرين في المرور أو التجاوز، أما حقوق المشاة فهي معدومة في ذهن معظم السائقين، السلوك المروري هو ثمرة لعدة مفاهيم سائدة في المجتمع سيتم التطرق لها في مقال قادم إن شاء الله.
الحالة المرورية في الرياض هي مثال للحالة المرورية المعتلة في معظم مدن المملكة، ومسؤولية إصلاحها تقع على عاتق عدة جهات، ولكن لا بد أن يقود عملية الإصلاح هذه جهاز مركزي وليس هناك أحق بهذا الدور من إمارات المناطق، فتضع خططاً لإصلاح الخلل الهيكلي في المدن لتصبح أكثر ملاءمة للمرور الآمن وتضع معايير تحسين السلوك المروري لدى قطاعات المستخدمين للطريق، وكما أن عوامل الفوضى تتضافر فإن عوامل الإصلاح تتضافر أيضاً وبصورة منطقية أكثر.