يرتبط لدينا دوماً مصطلح (العاطفة) بجزء يسير من ذلك الطيف الواسع من العواطف البشرية ألا وهو الجزء الخاص بالمشاعر الرقيقة كالحزن والرقة والانكسار. متجاهلين الجزء الأكبر من هذا الطيف كالتنافسية والغضب والمتعة الخالصة. ومصطلح (الذكاء العاطفي) والذي تم استخدامه أولاً في مجال المال والأعمال ثم انتقل بعد ذلك إلى شتى مجالات الحياة يمكن تعريفه كالآتي: (هو القدرة على تحديد وتطويع الحالة العاطفية الآنية للشخص لتغيير النوايا والأفعال الناتجة عن هذه الحالة العاطفية). قد يكون هذا التعريف غارقاً في الفلسفة النظرية، وعصياً على الفهم للوهلة الأولى، ولكن للوصول لفهم أكبر لهذا المنطق يجب علينا طرح السؤال التالي: هل الذكاء العاطفي يقود الذكاء العقلي أم العكس؟ والإجابة يمكن استنباطها من مثال بسيط يحكم علاقتنا مع أطفالنا (على سبيل المثال). فنحن لأننا نحب أطفالنا (ذكاء عاطفي) نصدر لهم قرارات مثل عدم القفز من مكان عالٍ أو اللعب بآلات حادة (ذكاء عقلي). لذا نرى أن القرارات العقلية والمنطقية دائماً تكون نتيجة رغبات عاطفية نُصدر من خلالها تلك القرارات لتلبية رغباتنا العاطفية.
وفي مجال الرياضة تبرز أهم عاطفة في كل منتسبيها وهي الرغبة العارمة في الفوز والانتصار وإثبات التفوق التنافسي على جميع النظراء. ونتيجة لتلك العاطفة تجد الرياضي (الممارس) يجتهد في التمرين والاستعداد وحتى في كمية الجهد المبذول داخل الميدان رغبة لإشباع هذه العاطفة النهمة. ولكن؟ لماذا نجد بعض الرياضيون يستسلمون في بعض الأوقات أو يحاولون الانسحاب في إحدى فترات المباراة؟ هل اختفت لديهم رغبة الفوز أم أن قدراتهم الجسدية استنفدت في منتصف الطريق؟ في حقيقة الأمر أن لحظات اليأس أو الاستسلام هي مجرد لحظات تتغلب فيها عاطفة التوتر على عاطفة الرغبة في الفوز، فيتم خلالها إصدار قرارات عقلية تندرج على أفعال الشخص بضرورة التوقف أو الانسحاب ليتخلص من مرارة عاطفة التوتر لا غير. ومن يقع في فخ تلك العواطف السلبية بلا قدرة على تطويعها إيجابياً أو تنحيتها واستبدالها بعواطف أكثر فائدة (تنافسياً) فهو خاسر لا محالة.
هي بعبارة أخرى (مباراة داخل مباراة). مباراة شديدة الضراوة مع تطويع العواطف خلال المباراة الرياضية التنافسية على أرض الميدان مع المنافسين الآخرين. وللانتصار في تلك المباريات الداخلية مع النفس علامات ودلائل نستطيع تمييزها عادة بثلاث عادات يقوم بها صاحب مستوى الذكاء العاطفي العالي:
1- الصورة الذهنية التي يطمح أن يكون عليها بعد اللقاء ويصر على استحضارها كل ما أحس بالوهن، محتفلاً وسعيداً بانتصاره.
2- تذكير نفسه دوماً بهدفه الأساسي (الفوز ولا شيء غيره)، ويقوم بذلك في التمرين وقبل النوم وبعده وقبل اللقاء وخلاله.
3- التحدث لنفسه وتشجيعها بعبارات تحفيزية وتذكيرها بقدراته وإمكانياته.
كما قلت سابقاً، هي مباراة داخل مباراة. يجب عدم الاستهانة بها وبتأثيرها المباشر على النتاج التنافسي على أرض الميدان. وسأستعرض في الأسبوع القادم بإذن الله، على عاتق من تجثم مسؤولية تعزيز وزيادة ذلك الذكاء العاطفي. هل هو اللاعب؟ أو المدرب؟ أم أنها مسؤولية المنظومة ككل.
بقايا...
- متى ما وصلنا لقناعة حقيقية أن الرياضة أصبحت علماً حقيقياً يُعنى بعديدٍ من المسائل، لوجدنا الأندية تغص بالعلماء والمختصين لخلق منتج رياضي أكثر وعياً وأجود نوعياً.
- الفرد نتاج مجتمعه، ومتى تجاهل المجتمع الحاجات الأساسية لذلك الفرد ليغدو أكثر كفاءة وإنتاجية فإن المواهب ستقتل في مهدها بلا جدال.
- اللاعب في عرف (صناعة الرياضة) هو مجرد منتج. تتدرج نوعيته من الرديء إلى العادي إلى الجيد وصولاً للممتاز. والعجيب أن بعض اللاعبين لا يخجل من تقديم نفسه كمنتج رديء!! عجبي.
- بعيداً عن صلب الموضوع، توالت بشكل متسارع حالات الإصابة بالرباط الصليبي. هذه الساهرة يجب الوقوف عندها طويلاً، فهل نوعية التمارين هي السبب أم العادات الفردية الخاطئة أم سوء أرضيات ملاعبنا؟ نحمد الله على ما قدره علينا، ولكن الأخذ بالأسباب واجب.
خاتمة...
قالوا عهدناك ذا عزٍ فقلت لهم
لا يعجب الناس من ذل المحبينا
لا تنكروا ذلة العشاق إنهم
مستعبدون برقّ الحب راضونا