ابتُليت رياضتنا مؤخراً بنوعية جديدة من المنتسبين إليها، لا يُعلَم حقيقة كيف تم السماح لهم بالدخول في هذا المعترك الذي يفترض أن يكون أبرز شعاراته (الفروسية) بكل ما تحتمله تلك الكلمة من صفات مكارم الأخلاق وحسن الذائقة وسلامة المنطق. ففي كل مرة تقع عيني على أحد ممثلي هذه العينة، أو تقتحم أذنيّ نشاز حديثهم، أجد نفسي بلا وعي أردد كلمة (صعلوك).
حتى شككت أن الصعاليك قد أحكموا سيطرتهم على المشهد كله، حاجبين عن كل متلقٍ أي فرصة لترسيخ جمال عشقنا الكبير ومرتع تنافسنا القادر على جمع كل أطياف الميول والفكر والعشق في لوحة زاهية.
عدت للمعجم بحثاً عن وصف دقيق لكلمة (صعلوك)، وكلما وصلت لتفسير مختلف عن سابقه وجدته مطابقاً لهذه العينة. فقد قيل إن الصعلوك هو الفقير، فوجدتهم فعلاً يفتقرون لمبادئ الفروسية السامية التي تمتدح المتفاني وتبارك له مسعاه. وقد قيل إن الصعلوك هو اللص، فوجدتهم لصوصاً لا يعتريهم خجل الاستيلاء على مساحة يفترض أن تسطع بياضاً، وتكون منبراً لما يجب أن تكون عليه أصول التنافس. وفي مكان آخر تم وصف الصعلوك بالضعيف، فوجدتهم أضعف من أن يتغلبوا على تعصبهم ويُعملوا عقولهم احتراماً لذواتهم قبل احترامهم لمتابعيهم الذين ابتلوا بوجودهم في وسط يجدون فيه متنفسهم الأوحد.
والعجيب في هذه الفئة من البشر أنهم غارقون (لشوشتهم) في غياهب المؤامرة والمكائد والضمير الغائب، ذلك الضمير الذي يعود دوماً على شخصية وهمية تسلب كل ما كان مقدَّراً لهم. فهم دوماً ضحية لذلك المارد المخيف الذي لا يقوون أمام سطوته سوى على التشكي والعويل واستجداء المناصرين الذين انطلت عليهم تلك الفرضية الخيالية. واللافت للنظر أن هذه العينة منتشرة في كل مفاصل ومناحي الرياضة وفي كل ما يتعلق بها. فتجد صعلوكاً يستخدم مساحته الإعلامية بكاملها للتشكيك في كل منجزات الآخرين، والتركيز على نقائصهم، والتغطية على كل ما يحدث من الجهة التي يميل إليها، واضعاً مهنيته تحت قدميه خدمة لتعصبه. وتجد صعلوكاً آخر يتنقل بين اللجان الرسمية متمترساً خلف حاجز من بذاءة القول والتهديدات الجوفاء والعمل على الإضرار بمنافسي فريقه المفضل. وتجد أيضاً صعلوكاً غزا الشيب رأسه، ينادي بالتعصب، ويجادل بصوت عالٍ، ويكذب ثم يكذب ثم يكذب، فقط ليغذي جذور تلك المؤامرة التي لم توجد إلا في خيالاته التي أعماها تعصبه؛ ليصل بشكل مخجل إلى مرحلة يقطع عنه الصوت أو يزجر بقسوة لا يرضاها على نفسه طفل في مقتبل عمر الطفولة. لذلك وصلنا إلى مرحلة من اليقين بأن هؤلاء أناس لا يرتجى تغيرهم أو حتى الصبر عليهم؛ فالأرض القاحلة الجدباء لا ينتظر منها أن تصبح حديقة غناء يستظل بوافر شجرها أو يستلذ بأطايب ثمارها.
أبعدوهم، وارحموا عقولنا. أقصوهم من أجل جيل جديد، ندعو الله أن يقيه سموم أفكارهم وسوء سيرتهم. حيدوهم؛ لننعم بفضاءات أكبر لممارسة العشق والتنفس بحرّية في وسط نتعلم منه تقبل الناجح، والسعي للوصول إلى منجزه بلا استحضار للضمير المرعب الغائب. أبعدوا هؤلاء الصعاليك، فليس في ميادين الفروسية مكان لأنسباء الخيول الأصيلة.
بقايا...
- يطل عليكم هذا المقال وقد انتهى ديربي العاصمة بين الهلال والنصر، وحروفه قد خطت قبل بدء اللقاء بوقت طويل. نتمنى أن ينتهي اللقاء بالمباركة للفائز على ما قدم دون البحث عن (ضمير غائب) جير النتيجة بلا وجه حق للمنتصر.
- أيعقل أن يستمر شخص في اللجان الرسمية وهو يتبجح في كل مجلس بربط عبارة (أكرمكم الله) بعد كل مرة يذكر فيها اسم أحد أندية الوطن؟ من يصبر على وجود هذه النوعية من العقليات الشوارعية يعتبر مشاركاً له في انحطاطه بلا جدال.
- أجمل عبارة في برنامج رياضي سمعتها منذ زمن بعيد تلخصت في كلمتين لا ثالث لهما: (اقطعوا الصوت). كم نحتاج إليها كثيراً هذه الأيام، فشكراً لك يا أبا بدر.
- محلل رياضي يشتكي من تقرير رياضي أعطى فريقاً ثواني أكثر من منافسه (على حد زعمه)! ألا يخجل المذيع من تكرار استضافة المشجعين وإلباسهم ثياب النقاد؟ أما من رقيب أو حسيب على كل هذا التدني الإعلامي؟
خاتمة...
وعاجزُ الرأي مِضْيَاع لفُرْصَته *** حتى إذا فات أمْرٌ عاتبَ القَدرا
(أبو الفضل الرياشي)