الهروب من السجن حبكة منتشرة في الأفلام والمسلسلات التلفازية، وكانت هذه الفكرة ولا زالت عنصراً رئيسياً في الفن والأدب، فهناك المئات من الروايات والأفلام والبرامج التي مِحورها السجن والهروب منه، ودائماً تكون مَثار تشويق وحبس للأنفاس عندما نرى البطل المظلوم يستخدم ذكاءه لينجو من الحبس، فهناك من يستخدم الطريقة المباشِرة في العُنف ضد حراس السجن ويهرب، وهناك من يخرج بطرق غريبة ملتوية لا تخطر على البال، غير أن هذه القصص ليست محصورة على الخيال والترفيه بل هي كثيراً ما توجد في أرض الواقع، ومن ذلك قصة مَكنير.
القاتل الأمريكي ريتشارد لي مكنير هرب من السجن عام 2006م بطريقة لا يمكن أن يتوقع المرء أن تنجح. أثناء عمله في السجن أوكلوا إليه مهمة إصلاح أكياس البريد المعطوبة –والمساجين تُوكَل إليهم مهام يعملون فيها-، وبعد فترة من العمل هناك تفتّق ذهنه عن وسيلة للخروج، وسيلة بسيطة ولا يظن الظان أنها ستنجح: دخل مكنير في أحد الأكياس وأغلقها. لقد تنكّر على هيئة بريد! لم يفطن له أحد، فقد حملته الآلة التي تنقل أكياس البريد وألقته في مخزن قريب، وهناك فتح مكنير كيسه ونفض غباره وخرج إلى الحرية، هكذا بكل بساطة!
شيء أشبه بما رأيناه في الرسوم المتحركة، لكنها نجحت، والأغرب من هذا كله ليس هذا فقط، بل لما كان يمشي مبتعداً عن السجن استوقفه شرطي –وكان الخبر قد انتشر أن سجيناً هرب وأخذ الشرطة يبحثون ويقيمون نقاط التفتيش في المنطقة- وأخذ الشرطي يسأله بعض الأسئلة لأن مواصفات هذا الرجل الذي أمامه تشابه الهارب، إلا أن مكنير وقف أمام الشرطي بأعصاب من حديد وأخذ يجيب أسئلته بهدوء ورباطة جأش، وشيئاً فشيء بدأ الشرطي يقل توتراً بعد أن ظن مبدأياً أن هذا هو القاتل الهارب، رغم أن مواصفاته كانت نفس مواصفات الهارب، حتى أنه لما سأله عن اسمه أعطاه القاتل اسماً، ولما سأله الشرطي بعدها بدقائق أعطاه القاتل اسماً آخر ولم ينتبه الشرطي! سيارات الشرطة الأمريكية تحوي كاميرات و هذا الاستجواب في الشارع الذي استمر 10 دقائق مُسجّل وموجود على الإنترنت، ولما أجاب مكنير على كل الأسئلة بثقة وهدوء صافحه الشرطي وأعطاه نصائح سلامة لئلا تضربه السيارات! وذهب الشرطي ومكنير كلٌّ في حاله.
الشرطي طبعاً صار في وضعٍ لا يُحسَد عليه ولا شك أنه تلقّى عقوبة على هذا الإهمال الجسيم، وأما مكنير فرغم جريمته التي أودعته السجن إلا أن تمالكه لنفسه وهدوءه في ذلك الموقف العصيب جدير بالتأمل، فلا نرى مثل هذا كثيراً!