في 23 أكتوبر 1994م، عشتُ تجربةً يتمنّى ملايين البشر أن يعيشوها. ولم أبذل في سبيل خوضي هذه التجربة أي جهد. مجرّد خطوات مشيتها من مكتبي، لأكون أمام أهم شخصية سياسية عالمية، ألهمتْ بنضالها ضد الاستعمار قلوبَ أعدائه قبل محبيه.
قلت له، وأنا أصافحه:
- سيدي الرئيس .. لقد علّمتنا أنّ السجن من أجل الحرية، هو الحرية المطلقة.
كان نيلسون مانديلا، وهو يزور مستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض، في جولته الأولى بعد وصوله للرئاسة، حريصاً على أن يصافح الجميع بدفء، معطياً كلّ الوقت لمن يصافحه أو لمن تصافحه، ليعبِّر عن مشاعره أو تعبِّر عن مشاعرها.
لم تحظَ زيارةُ شخصية عالمية، منذ انضممتُ للتخصصي وحتى غادرته في ديسمبر 2010م، بما حظيتْ به زيارةُ هذا الرجل البسيط المتواضع، الذي كسر كلّ بروتوكولات الحرس الملكي، وصار يتنقّل بيننا وكأنه غائبٌ عادَ إلى بيته. كنت أقرأ ذلك في دموع الممرضات الجنوب أفريقيات، وفي دموع غيرهنّ من بعض العاملين والعاملات من كلِّ الجنسيات.
- كيف لهذا الرجل أن يفعل ذلك؟!
لمَ لا؟!
إنه الرجل الذي اختار الحرية،
حرية الهامة التي لا تنحني،
حرية العذاب اليومي من أجل الكرامة.
لم يكتب مانديلا القصائد المحرّضة للثورة من شقته الفاخرة في لندن، لم يشارك في البرامج السياسية الحوارية من فندقه في باريس، لقد قضى 27 عاماً من عمره في سجن بائس، رافضاً أن يتنازل عن شبر واحد من كرامة وطنه وكرامة شعبه، إلى أن حصل عليهما.
- سيدي الرئيس .. لقد علمتنا أنّ السجن من أجل الحرية، هو الحرية المطلقة.