في نيسان (أبريل) الماضي، لقي 1100 عامل حتفهم في بنغلادش، عندما انهار عليهم معمل «رانا بلازا» للألبسة. وتكثر الأطراف التي يمكن لومها على الحادث، فقوانين البناء ليست مناسبة، وعمليات التفتيش غير منتظمة، ناهيك عن التساهل في إنفاذ القانون.
والأهم من هذا كلّه هو أنّ كارثة «رانا بلازا» ليست سوى الواجهة الظاهرية للمشكلة، فقطاع الألبسة البنغلادشي، البالغة قيمته 20 مليار دولار، شهد اتساعاً سريعاً في السنوات العشر الماضية، بسبب تدني تكلفة القوى العاملة فيه. ومع تكاثر المعامل في البلاد حتّى بات عددها يناهز الخمسة آلاف – ويشمل مالكوها أكثر من 24 نائباً في البرلمان – واستشراء الفساد، لم يعد هناك مفرّ من التساهل في إنفاذ القوانين.
وبعكس الاعتقاد الشعبي السائد، لا تستطيع حكومات الغرب والمنظمات الدولية التأثير إلا قليلاً في حكومة بنغلادش أو شركاتها. ولا يمكن أن تمارس الدول الأعضاء في «منظمة التجارة العالمية» التمييز بحق بعضها البعض. وبالتالي، ما من دولة قادرة على التصرّف قانوناً وفرض حصص إنتاج أو تعرفات إضافية على صادرات الألبسة البنغلادشيّة، للتأكّد من أن الدولة تسن القوانين أو تطبّقها. إلى ذلك، يعمل «البنك الدولي» على تحويل جميع المسائل المرتبطة بالعمل إلى «منظمة العمل الدولية»، التي تركّز مواثيقها بشكل أساسي على حقوق القوى العاملة بتنظيم شؤونها وبإطلاق إضرابات من أجل تحسين ظروفها. ومع أنّ «منظمة العمل الدولية» روّجت مؤخراً لتحسين مستويات الأمان في مقر العمل، لا تسمح موازنتها الاعتيادية بتعيين مفتشين ميدانيين، حتى لو أذنت لها حكومة بنغلادش بتفتيش المعامل والإشراف على كيفيّة تطبيقها لأنظمة السلامة.
وبالتالي، من شأن قوتين فقط تحسين الظروف في مقرّ العمل، وتتمثلان بالضغوط التي يمارسها مستهلكو الملابس المصنوعة في بنغلادش، وبالمسؤوليّة التي قد تشعر بها الشركات التي ترسل طلبات إنتاج إلى المعامل البنغلادشية، على خلفيّة الجهود التي يبذلها المستهلكون والموظفون.
ويعمل عدد كبير من العلامات التجارية الكبرى التي تبيع بالتجزئة، بما يشمل «إتش أند أم» و»زارا» في أوروبا، و»ولمارت» و»غاب» في الولايات المتحدة، على توريد الألبسة من المعامل البنغلادشية. وقد قرّرت هذه الشركات خوض التحدّي، وهو أمر فاجأ الكثيرين. وبالتالي، أبرمت أكثر من 100 شركة أوروبية اتفاقاً ملزماً قانوناً، تشمل بنوده تمويل عمليات التفتيش، وتحديث المعامل التي تستخدمها بنغلادش، والتي يزيد عددها عن 1500. إلى ذلك، أبرمت أكثر من 25 شركة أميركية اتفاقاً غير ملزم بمضمون شبه مماثل، وشملت به 620 معملاً آخر، وستعرض هذه الشركات على أصحاب المعامل قروضاً بفائدة متدنية، تصل قيمتها إلى 100 مليون دولار.
وكذلك، تعهدت «منظمة العمل الدولية»، التي حظيت بدعم مالي ساهم في إنعاشها من حكومتي المملكة المتحدة وهولندا، بتكريس أكثر من 24 مليون دولار لدعم عمليات التفتيش، وبرامج التدريب، والتحسينات، في نحو 2500 معمل عالي المخاطر.
ويعتري نشاط جماعي من هذا القبيل أهمية قصوى، ويرى أصحاب المعامل في بنغلادش، الذين يديرون عملياتهم بهامش أرباح ضيق جداً في قطاع شديد التنافسية، صعوبة كبيرة للاستثمار في التحسينات. وفي اقتصاد يشكّل جزءاً من الاقتصاد العالمي، تمتلك الشركات الغربية المتعددة الجنسيات قدرة على فرض نفوذ إيجابي، يفوق ذاك الذي قد تمارسه أي أطراف معنية أخرى.