هؤلاء الذين يعيبون أو يستعيبون أن يعمل الرجل في بيته وقت فراغه ومساعدة زوجته شريكة حياته ونصفه الآخر داخل المنزل في بعض متطلبات العمل.. هؤلاء يجهلون أو يتجاهلون أو يتناسون سيرة السلف الصالح من الرجال الأفذاذ الأوائل ودورهم في الخدمة داخل بيوتهم بجانب زوجاتهم وأمهاتهم، دون أن يلحقهم مثلبة أو يستنكفون من هذه الأعمال أو يحتقرونها أو يتهربون منها.. والذي يزيد النفس مرارة وغرابة أن هذه الفئة التي تضع ثقل أعمال المنزل على كاهل الزوجة هي فئة تدعي الاستنارة في الرأي والفهم الثاقب وتدعي الكمال في سلوكها إلى درجة الثقة المفرطة في النفس.. وفي قراءة متأنية وهادئة وعميقة ومقارنة لحياة المسلمين في عصر النبوة وسيرة السلف الصالح والعلاقة القائمة بين الرجل والمرأة والتي كان يسودها التعاون والثقة والمحبة وعدم الاستعلاء والاحترام المتبادل.. نجد البون الشاسع والفرق الواسع بين سماحتهم في التعامل والتعاون، وبين ما يحاوله البعض الآن وهم قلة من إلقاء جميع التبعات والأخطاء والمسؤوليات داخل المنزل على عاتق المرأة مع ما يكتنف أسلوبهم في التعامل معها ومعاملتها من صلف ودونية وتهميش.
ولمصداقية ما أشرت إليه سلفاً آتي بمثل حي سام رفيع وقبس زاهر من السيرة النبوية الطاهرة الزكية، ولنسمع ونتأمل ما تقوله أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن صفوة الخلق نبي الأمة الهادي البشير والمثل الأعلى والقدوة الحسنة لكل مسلم مؤمن صادق الايمان والاقتداء بسيرة نبيه عليه أفضل الصلاة وأجل التسليم وهو القائل: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي).. لقد سئلت عائشة رضي الله عنها عما كان يعمله الرسول عليه الصلاة والسلام في بيته فقالت: كان في مهنة أهله حتى يخرج للصلاة.. وتعني بذلك أنه صلى الله عليه وسلم كان يعاونهن ويعمل معهن.. وكثيراً ما ساعد أزواجه في أعمال المنزل، فكان يحلب الشاة بيده الكريمة ويرقع ملابسه بنفسه ويصلح نعله وكان يقوم في بعض الأحيان -كما روت كتب السيرة- بتنظيف داره، كما كان يعنى بناقته.. وكان إلى جانب ذلك كله يقدر كل شيء حق قدره ولم تسمع منه كلمة ذم ولو مرة واحدة لرأي أو عمل.. ولم نقرأ في حياتنا ولو مرة واحدة ان الإسلام خص المرأة وحدها في عمل المنزل، بل قرأنا مرات عديدة أنه يجيز اعفاء المرأة من أعمال المنزل مثل الغسيل والكنس والطهي وما إلى ذلك كما يعفيها من ارضاع أطفالها وان كان المجتمع يلزمها بذلك.
ولو استطردنا في الموضوع لما كفتنا صفحات طوال.. وما لنا والافاضة وأمامنا الآية الكريمة {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}، وقد أوصى نبينا وشفيعنا عليه الصلاة والسلام بالمرأة خيراً.. وقال: (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي) كما جاء عنه في الحديث الشريف (النساء شقائق الرجال) وقال عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها (خذوا نصف دينكم عن هذه الحميراء).
ولكن من المؤسف والمؤلم حقاً أن فئة من الناس في عصرنا الحاضر تحاول مستميتة تهميش المرأة وتحقير رأيها والاستعلاء عليها وتضييق الخناق حولها وتسعى إلى حرمانها من حقوقها واختلاق مثالب بشأن ضعفها مستغلة عدم مقدرتها على نيل الواجبات والحقوق التي كفلها الإسلام لها، كما أعطينا نبذة مختصرة عن ذلك في ثنايا الموضوع، ومن يصدق انه في وقتنا الحاضر هناك من يعتقد أن طاعة الرجل لزوجته مثلاً أو أخذ مشورتها ورأيها يعتبر مصدر ضعف في الرجل، فما بالك لو طالبته بمساعدتها داخل المنزل، أو كان لها وظيفة وهو عاطل ورغبت منه اكمال بعض الواجبات المنزلية فترة غيابها، هنا ستقوم قيامة البعض ويهدد بالويل والثبور وربما تصل الأمور إلى ما لا تحمد عقباه، فأين نحن من سلفنا الصالح، وهلا أخذنا القدوة والمثل الأعلى من تعاملهم المشرف الرفيع مع المرأة (الأم، الزوجة، البنت، الأخت).
والمرأة بصفة عامة كانت وستظل حضن الانسانية ومصدر السعادة الأسرية ومنبع الخير والطمأنينة في حياتنا كلها.. هدانا الله جميعاً إلى طريق الخير والصواب.
إضاءة:
لنتأمل ملياً تلك المشاعر الصادقة الفياضة عن منتهى الوفاء والمحبة والتقدير للمرأة في هذه الأبيات التي مدح بها الامام الحسين بن علي رضي الله عنهما زوجته الرباب بنت امرىء القيس بن عدي وابنتها سكينة بقوله:
لعمرك إنني لأحب داراً
تكون بها سكينة والرباب
أحبهما وأبذل كل مالي
وليس لعاتب عندي عتاب
فلست لهم وإن غابوا مضيعاً
حياتي أو يغيبني التراب