الذي يتقاعد من عمله وهو في الستين من عمره، وأموره المادية على ما يرام وصحته على أحسن حال فهو بمشيئة الله من الذين عناهم الهادي البشير وسيد الخلق عليه الصلاة والسلام بحديثه الشريف (من عاش آمناً في سربه معافى في بدنه عنده قوت يوم وليلة فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها)، فما بالك إذا كان هذا المتقاعد يعيش في بحبوحة من النعيم.. ويلوذ بسكن هادئ مريح يملكه..
ويتمتع بوافر الصحة والعافية في ظلال من الأمن والطمأنينة يُحسد عليهما..
ولكن ما يلفت النظر ويبعث العجب أن مثل هذا الإنسان وبهذه المزايا التي أشرنا إليها وفي هذه المرحلة المتقدمة من العمر - والأعمار بيد الله - وقد عافاه الله من مراجعة طبيب العيون وطبيب الأسنان وأخصائي المسالك البولية أو الروماتيزم وما شاكلها من مقدمات أمراض وأعراض الشيخوخة..
هذا الإنسان يبعث الحيرة حقاً عندما لا تجده يتفرغ لعمل إنساني مناسب يخدم به وطنه ومجتمعه مثل المشاركة في جمعية خيرية أو جمعية أصدقاء المرضى أو مسجد يرعى شؤونه أو يفتح مكتبة يفيد ويستفيد منها.. أو على الأقل يرعى شؤون أسرته..
أبناءه وأحفاده.. يتابعهم ويتلطف معهم أو يقف بجانب شريكة حياته يقاسمها شؤون الحياة وشجونها.. أعجب وأستغرب عندما أجد مثل هذا المتقاعد المحظوظ الموسر يتكالب ويتحايل ويستميت من أجل تمديد سنين خدمته أو يطالب بالتعاقد معه بمرتب زهيد وبأعمال هامشية، فيحرم أناساً مواطنين آخرين ينتظرون التوظيف من فئة الغلابة والمساكين الذين يعيشون على رزق اليوم باليوم، وأكثرهم من الشباب الذين لم يوفقوا إلى عمل رغم تأهلهم - لندرة الوظائف الحكومية ومماطلة وتسويف القطاع الخاص في برنامج السعودة..
ولقد لمست التحايل على الأنظمة ومحاباة «الحبايب والقرايب» في التعاقد الشخصي مع بعض المتقاعدين أمثال صاحبنا تحت مسميات شتى..
بنود المكافآت أو الرواتب المقطوعة أو صلاحية المسؤول أو مكافآت رمزية أو بنود العمال وغيرها..
المهم أن هذه الفئة من المتقاعدين تحاول بشتى السبل والطرق أن تزاحم وتناكب من هم في أول الطريق وكأنها والعياذ بالله ستموت من الجوع أو تغيب عن الحياة عند تقاعدها متناسية ما تعيش فيه من جدة وسعة واكتفاء..
ونتساءل لماذا الإصرار على البقاء في الوظائف الحكومية فقط..
ولماذا لا تجرب حظها وذكاءها ونهمها في وظائف القطاع الخاص وتضع لها موطئ قدم في الشركات والمؤسسات التي تحتضن ملايين العمالة الأجنبية الوافدة التي تستنزف عشرات الألوف من ملايين الريالات سنوياً وتحولها مباشرة إلى خارج المملكة؟..
من هنا فإنني أُناشد صديقي وعزيزي المتقاعد الموسر المعافى فأقول له بصريح العبارة ومختصر القول:
وظيفتك الحكومية استحوذت على تقاعدها كاملاً فاترك الفرصة لمن بعدك من إخوانك وأبناء مجتمعك وحب لهم ما تحب لنفسك وبمعنى أكثر وضوحاً.. عش ودع غيرك يعيش.. والله الهادي.