لقد تفاجأت كغيري من متابعي كرة القدم بما قامت به رابطة دوري المحترفين السعودي لكرة القدم خلال الفترة الماضية، عندما قدمت توصية برفع أسعار التذاكر للرئاسة العامَّة لرعاية الشباب، بحيث يصبح بمقدور الأندية مضاعفة أسعار التذاكر بنسبة 100 في المائة، وذلك بعد أن وافق عدد من الأندية على ذلك المقترح..!
ولعلَّ الدافع خلف سرعة موافقة تلك الأندية على الزيادة المقترحة للرابطة هو استمرار الأزمة الماليَّة لعدد كبير منها، ولكن على المستوى القصير قد يكون هناك زيادة محدودة في المردود المالي للأندية إذا زادت أسعار التذاكر ولكن تبعات تلك الزيادة على المستوى الإستراتيجي (طويل الأمد) سيكون خطرًا ليس على الأندية فحسب، بل على مستوى الدوري السعودي ككل؟
فعلى الرغم مما صرحت به الرابطة خلال الفترة الماضية عدَّة مرات على موضوع تسهيل شراء التذاكر للجماهير عبر الشبكة العنكبوتية وتسهيل الدخول عبر البوابات الإلكترونية ضمان المقعد لكل مشجِّع أسوة بما هو معمول به في ملاعب أوروبا، إلا أنّه لم يتم تطبيق ذلك إلا على عدد محدود جدًا من ملاعبنا ولا يكاد يذكر، فما زالت المعاناة مستمرة، فالجمهور يحضر قبل عدَّة ساعات لكي يحجز مقعدًا وهذا فقط من ناحية آلية شراء التذاكر وتنسيق الدخول للملعب.
أما فيما يخص بيئة الملاعب الحالية فإنّها ما زالت غير مرضية للجميع ويكاد يجمع على ذلك كل من له علاقة بالرياضة سواء كرياضي أو إداري أو متابع لكرة القدم، فعند ذهابك للملعب ستشعر بمقدار المعاناة منذ بحثك عن موقف لسيارتك مرورًا ببوابات الدخول ومن ثمَّ كيفية حصولك على مقعد مناسب لك ولمرافقيك، ومن ناحية أخرى لا تزال الخدمات المقدمة داخل سور الملعب للجماهير معدومة تقريبًا، فلم يتم حتى الآن الاتفاق مع إحدى شركات الأغذية الكبرى لفتح فروع صغيرة لها داخل الملاعب على الرغم من ذكر ذلك الأمر من قبل الرابطة في أكثر من مناسبة، ولكن الحال لم يزل كما مُجرَّد أكشاك صغيرة لا تلبي الحاجة مقارنة بالطلب بالإضافة إلى قلّة الجودة فيما يعد من أطعمة ومشروبات!!
كذلك فيما يخص الخدمات الأخرى داخل الملعب كدورات المياه، فهي ما زالت غير كافية ولا تتناسب مع عدد المقاعد بالمدرجات، بالإضافة إلى استمرار قلّة النظافة والاهتمام بها، فما نراه في ملاعب الأندية الأوروبيَّة من تنظيم وترتيب، بل وجود أماكن للترفيه وفروع لسلاسل من المطاعم العالميَّة يدعونا للتعجب عن استمرار الوضع هكذا على الرغم من سهولة تطبيق مثل تلك الأمثلة العالميَّة، فكل ما هو مطلوب إبرام اتفاقيات مع الجهات ذات العلاقة بالملعب ومن ثمَّ وضع كراسة للشروط وطرح الخدمة كمشروع يتم من خلاله استقبال العطاءات ومن يدفع أكثر ينال العقد!!
ولعل ما كان يجب على الرابطة الأخذ به قبل رفع التوصية بزيادة الأسعار هو عمل دراسة علميَّة مستفيضة عن تبعات ذلك القرار على المستوى البعيد، وأعتقد أنَّه لا يمكننا في أيّ حال مقارنة ما يحدث في ملاعب الأندية الأوروبيَّة من أسعار التذاكر والخدمات ومحاولة تطبيقها لدينا في ظلِّ استمرار الوضع الحالي لبيئة الملاعب، فالمشجِّع الأوروبي قد يدفع خمسة أضعاف سعر التذكرة لدينا ولكنه في مقابل ذلك يحصل على عشرات المزايا والمنافع مقابلها.
ومن ناحية أخرى، لا تقل أهمية عن بيئة الملاعب ولا يمكن إغفالها عند رفع توصية الزيادة إلا وهي الشريحة العمرية للجمهور المستهدف الذي يحرص على حضور مباريات فريقه، فإذا علمنا أن متوسط الأعمار لتلك الشريحة ما بين 20 و22 سنة وهي غالبًا ما تكون من فئة الطلاب محدودي الموارد، وبالتالي ستفقد الكثير منهم خلال الموسم، فباعتقادي أنهَّم لن يقدَّموا على الحضور إلا في بعض المباريات المهمة كمباريات الديربي والكلاسيكو، مع ملاحظة وجود بدائل أخرى يمكن للمشجِّع متابعة المباريات من خلالها كالاكتفاء بمشاهدتها عبر الشاشات خصوصًا مع تقدم تكنولوجيا الإخراج والتصوير.
وكما يعلم الجميع أن الجمهور هو المحرك الأساسي لكرة القدم وهو المعيار الذي يقاس به نجاح إدارة الأندية والرابطة فكلّما زاد عدد الجماهير والحضور داخل الملعب كان ذلك دليلاً على نجاح الدوري بصورة عامة والشواهد على ذلك كثيرة لعلَّ أهمها المقاعد الأربعة في دوري أبطال آسيا، التي من الممكن أن نفقد أيّا منها في حال قلّ الحضور الجماهيري كما حدث سابقًا.
ويمكننا القول إنّه من الممكن زيادة أسعار التذاكر ولكن وفق دراسة جدوى مبنية على أسس علميَّة يتم من خلالها تطوير بيئة الملاعب عن طريق محاكاة ما هو معمول به في ملاعب الدوري الأوروبي لكرة القدم واستنساخ تجاربهم الناجحة في هذا المجال، عند ذلك يتم تقديم الزيادة المقترحة وتطبيقها بالتزامن مع تطبيق الخدمات الأخرى المطلوبة داخل الملعب.
والمشجِّع هو بلا شكَّ مستهلكٌ لتلك الخدمة ولا بُدَّ من الأخذ بالاعتبار سلوك ذلك المستهلك وعوامل الجذب والتنفير عند تقديم تلك الخدمة له وما هي القيمة المضافة التي سيتمتع بها المشجِّع عند دفعه ضعف السعر الحالي، كل هذه العوامل يجب دراستها بصورة شاملة وفق أسس علميَّة ومن ثمَّ يتم العمل على زيادة الأسعار حسب إستراتيجيات التسعير المتبعة ووفق نتائج الدراسة العلميَّة، أما أن يَتمَّ اتِّخاذ قرار رفع الأسعار بصورة سريعة ووفق رؤية الأندية فإنَّ هذا القرار قد يُؤدِّي إلى عزوف الجماهير عن حضور المباريات في المستقبل القريب إذا ما تَمَّ تطبيقه.