لن أغوص في تفسيرات وأبعاد معاني القدوة والاختلافات والرؤى حولها من منطلق جدلي، غير أني سأورد بإيجاز أمثلة مشاهدة ومروية تنبيك عن فحوى أن يكون المرء قدوة في أمر من أمور الخير خاصة، فهنا في مدينة الرياض مهندس إلكترونيات هندي مسلم يعمل في إحدى الدوائر الحكومية، بدأ العمل قبل أن يتزوج وكان يقتطع نصف راتبه ويرسله بانتظام إلى والده ووالدته الصالحين في بلده، استثمروا المبالغ المحوّلة في البداية بشراء أرض مناسبة في قريتهم وأحاطوها كموقع سكني للعائلة، وما أن أنجزوا بيوت الأولاد فكروا ببناء مساكن مستقبلية للأحفاد، وكلها مبان متواضعة دون مبالغة وإسراف. تزوج المهندس بنت عمه وقدمت إلى المملكة ووجدت فرصة للعمل وصنعت كزوجها بتحويل نصف المرتب، في المرحلة الثالثة زادوا مساحة الأرض وأنشأوا مزرعة تنتج ما يأكلون من خضر وفاكهة وألبان ومشتقاتها واستغنوا عن السوق بل إنهم وظفوا فقراء مع أطفالهم للعمل فيها. بارك الله لهم في صنيعهم فزاد فائض المال ففكر الوالدان أو قل (الجدان) بمشروع خيري لفقراء قريتهم وهو إنشاء صندوق لمعالجة المعوزين والمحتاجين والإشراف عليه بأنفسهم بدقة،.كل هذا من خير وبركة جعلها الله في مرتبات شابين صالحين تربيا على نهج الإسلام وزرع فيهما والديهم حب الخير، هما يعيشان الآن بيننا في بلد الخير ومنبع الإسلام. فكروا في القصة وتعمقوا في مضامينها، فمشروعات البر والإحسان تتولد من فكرة بسيطة. والقدوة لها طرقها المتعددة، منها ما رواه قريب لي يدرس في اليابان، قال: إن علاقة ملاطفة شريفة جمعت بين طالب سعودي مبتعث وفتاة جامعية يابانية مسلمة في الجامعة ذاتها تطورت إلى فكرة الزواج ووصلت إلى مرحلة موافقة أهالي الطرفين المبدئية، لكن حدث أن كانت الجامعة تقيم حفلاً وصادف أن كان الشاب السعودي يجلس على سبيل التقدير لدقائق مع أحد الأساتذة المرموقين في الجامعة، فجاء مقدمو المشروبات في تلك الأثناء فأخذ الأستاذ كأساً من البيرة، وظن الشاب بأن أصول المجاملة مع شخص كهذا تقتضي أن يأخذ مما أخذ، وكانت الشابة المسلمة اليابانية ترمقه من حيث لم يشعر، قام الشاب ووضع البيرة في مكان المشروبات واندمج بين الطلاب واقترب من الفتاة فأعرضت ونأت عنه، وأبدى لها استغرابه من ذلك؟ فأجابت: تربيتي وقيمي تدعوني لمجافاة الكاذبين. حاول تبرير الموقف بأنه إنما كان مجاملة للبروفيسور وأنه لم يتناول الكحول وليس من عادته، فقالت: البادئ أهم، انصرف وليحفظك الله! وأضاف الراوي بأن الشابة المسلمة علمته درساً جديداً من القيم اليابانية يبدو أنه لم يكن يستوعبه تماماً، فالياباني صارم في قناعاته وسلوكياته ونهجه في المعيشة والتعامل، وقال: أشهد بحق أن الشباب الياباني المسلم (على قلتهم) يقدمون أروع النماذج في الخلق الإسلامي، ويطبقون المثل التي ينادي بها الشرع القويم قولاً وعملاً، وأنهم أصلاً لديهم الاستعداد لذلك بما يملكونه من لطف وصدق وأمانة وجد في العمل وتقدير للوقت، وقبل كل ذلك للإنسان وقيمته وحقوقه مهما كان عمره وموقعه ومكانته، فالإنسان عندهم عضو في مجتمع يفترض أن يكون متماسكاً متراحماً عاملاً نشيطاً يعضد بعضه بعضاً، وهذه كلها قيم الإسلام فلنعتبر.