أكتب بيد مرتعشة وحزن حارق على فراق الصديق الصدوق والأخ الحبيب «أبي أحمد»: الدكتور محمد الأحمد الرشيد الذي تَرَكنا على حين غرة في مساء كئيب بعد أن أدى واجب العزاء تجاه أسرة المرحوم الدكتور أسامة عبدالرحمن الذي فقدناه هو الآخر في الأيام القليلة الماضية.
محمد الأحمد الرشيد كتلة من المحبة والصفاء الإنساني والنقاء الخالص المصفى، وقد أحببته كما لم أحبب إلا القليل من الناس. ويوم ذهبنا إلى المقبرة للدفن بعد أداء صلاة الجنازة كانت المقبرة تغص بالمحبين الذين كانوا يغالبون دموعهم. كانت الأعداد الهائلة التي حضرت إلى المقبرة لازالت تحت تأثير الخبر الصاعق المزلزل لرحيل أبي أحمد وهي لا تكاد تصدق أن الرجل الذي كان يفور حتى اللحظة الأخيرة حيوية ونشاطاً ومحبة وكرماً وهو يرحب بضيوفه في «سبتيته» الشهيرة قد رحل هكذا فجأة وبلا مقدمات!
حزنٌ ثقيل ساحق وقلوبٌ موجعة ودموعُ الأصدقاء والمحبين الذين جاءوا من كل مكان لوداع أبي أحمد كلها كانت تشهد كم كان هذا الرجل نبيلاً وكم كان أخاً وحبيباً للجميع!
لن تفي كل الكلمات ولا مساحة هذا المقال للحديث عن مناقب أبي أحمد، وقد كنتُ محظوظاً بأن عرفته عن قرب لسنوات طويلة فعرفت الطيبة والنبل والصفاء مجسدة في هذا الإنسان النادر حقاً. سافرت معه إلى أقصى الدنيا في أستراليا ونيوزيلاندا وسافرت معه داخل الوطن وفي بلدان عربية وأجنبية فكان دائماً نعم الرفيق عفيفاً وكريماً ورائقاً في سلوكه وعلاقاته بزملائه وبالآخرين.
أما عطاؤه ونشاطه وإسهاماته العلمية والإدارية قبل وبعد أن أوكلت إليه مهام وزارة المعارف (التربية والتعليم) فهي تحتاج إلى مجلدات ومجلدات لتدوينها. أتذكر أنه في بداية عمله وزيراً للمعارف قرر أن يبدأ مشروعه التطويري من قاعدة معلوماتية ميدانية فأشرف على إعداد إستبانة موسعة تحتوي على استفسارات موجهة للطلاب والمعلمين وأولياء الأمور وتابع تنفيذها ثم وضع خطته التطويرية مستفيداً من الملاحظات الميدانية. وقد كان مشروعه التطويري نقلةً في تاريخ التعليم العام بالمملكة رغم كل الإحباطات والمثبطات التي لم يستسلم لها أبداً!
وكما يحدث للمصلحين والأشخاص العظام الذين صنعوا النقلات الكبيرة في مجتمعاتهم واجه محمد الأحمد الرشيد حملة شعواء ظالمة لم تقتصر على أدائه الوظيفي وأسلوبه في العمل بل تجاوزت ذلك إلى تلفيق الأكاذيب حول شخصه وذلك للتشكيك في مصداقيته وحتى في معتقده الديني ونواياه. وكنت أذهل كيف يسمح هؤلاء لأنفسهم بالحديث عن شخص محمد الرشيد بتلك الطريقة وهم لا يعرفونه! كنت أشعر دائماً أنهم يتحدثون عن شخص آخر بنفس الاسم غير محمد الأحمد الرشيد الذي نعرفه، محمد الأحمد الرشيد المتمسك بدينه والفخور بلغته العربية المنافح عنهما بضراوة وباقناع واقتناع.
بعد أن خرج محمد الرشيد من الوزارة، وبعد أن هدأت العاصفة، تبين أن المشروعات التطويرية لمحمد الرشيد لم تخرج معه بل ظلت هي بوصلة الوزارة، وأن عملية التطوير التربوي التي انطلقت من عقالها كما أراد لها محمد الرشيد استمرت هادرة مقتحمة لا تلوي على شيء ولا تهتم بما يقوله ويفعله المثبطون. أما محمد الرشيد، فقد عاد إلى عشقه الأبدي وهو البحث والكتابة في حقل التربية وقضايا الشأن العام، وأنشأ مدرسة خاصة يمارس فيها تطبيقاته التطويرية في مجال التربية والتعليم.
رحم الله أبا أحمد، وأسكنه فسيح جناته، وألهم أسرته ومحبيه الصبر والسلوان. سنفتقدك كثيراً كثيراً يا أبا أحمد في هجير هذه الحياة وفي صفوها. إنا لله وإنا إليه راجعون.