اتفق المحاضرون ومعظم المتداخلين في ملتقى «الإعلام اليوم: عالم بلا حواجز» الذي أقامته مؤسسة عبد الرحمن السديري الثقافية الخيرية في الغاط الأسبوع الماضي على أن الصحافة الورقية تشهد، في أحسن الأحوال، تغيُّراً جذرياً قضى على العديد منها في دول كثيرة كالولايات المتحدة، أو أنها مهددة بالانقراض تماماً خلال سنوات قد لا تطول كثيراً.
كانت النقاشات ممتعة، ولكن كانت هناك أيضاً مداخلات تتحدث عن الصحافة الورقية بنبرة تقترب من الازدراء مع أن معظم ما يُنشر في الصحافة الإليكترونية حالياً هو في الأساس مستقى من الصحافة الورقية، ولو اختفت الصحافة الورقية فإن الصحافة الإليكترونية ستجد نفسها في ورطة كبيرة وسوف يتوقف معظمها عن الصدور إلى أن تتطور وتقف على أقدامها وتستقل تماماً.
من المؤكد أن وسائل الإعلام تشهد تحولاً جذرياً مزلزلاً بفضل التقدم الهائل في التقنية ووسائل الاتصال، ومن المؤكد أن الصحافة الورقية كوسيلة إعلام ستواصل الانحسار وقد تختفي، لكن المؤسسات الصحفية التي تصدر الصحافة الورقية لن تختفي لأنها - ببساطة - ستحول إصداراتها الورقية بالكامل إلى إصدارات إليكترونية. ومعروف أن جميع الصحف الورقية تَصْدُرُ منها حالياً نسخٌ إليكترونية، وبالتالي يجب أن ننظر إلى ما يحدث على أنه تطور إيجابي في استخدام «وسائل» إعلام جديدة لا أكثر.
هناك من يقول، على سبيل المثال، إنه لا يقرأ مقالات كُتَّاب الصحافة الورقية! وهذا خطأ في الفهم لأن أغلب المقالات التي تنشرها الصحف الإليكترونية هي في الأساس منشورة في الطبعة الورقية.. ولهذا، أتصور أن الحديث عن نوعين «مختلفين تماماً» من وسائل الإعلام في الوقت الحاضر هو حديث مُبالغ فيه ومبكر والأقرب أن وسيلة الإعلام الورقية ووسيلة الإعلام الإليكترونية هما وسيلتان «متكاملتان» حالياً وحتى إشعار آخر.
أما من يعتقدون أن الصحافة الورقية ستكون صامدة إلى ما لانهاية فهم حالمون قد ألِفوا ما تعودوا عليه وطروحاتهم أقرب إلى الأماني و»التفكير الرغبي» بسبب الحاجز النفسي الذي ما زالوا يجدون صعوبة في تحطيمه واجتيازه. فالتقنية تتقدم بوتيرة متسارعة ولن تستثني الصحافة، ومن يرفض التغيير سيجد نفسه خارج السياق وخارج العصر.