على الرغم من التقدم الكبير الذي تحقق في شبكة الطرق البرية التي تربط مناطق المملكة، يظل التحسن الذي طرأ على طريق التابلاين محدوداً ونسبياً.
وطريق التابلاين، بلا مبالغة، يعتبر أحد أهم الطرق الطويلة في المملكة، لأنه يربط منطقة الخليج العربي بأكملها بشمال المملكة وبالأردن وسوريا ولبنان وتركيا وأوروبا، كما يخدم العراق وما جاورها، وخاصة في موسم الحج. وبذلك، فإن طريق التابلاين هو شريان حيوي في مجال التجارة الدولية والخدمات ونقل الركاب، وهو أيضاً واجهة للمملكة في أعين سالكيه من الخليجيين والعرب ومن مختلف الجنسيات، فهم يحكمون من خلاله على مستوى شبكة الطرق السعودية وعلى مستوى التنمية عموماً في المملكة.
أتذكر حواراً دار قبل سنوات مع أخ عربي من دولة غير نفطية ممن استخدموا هذا الطريق وفوجئوا بمستواه المتدني، وقد أبدى استغرابه لأن السعودية دولة نفطية منتجة للمادة الخام المستخدمة في سفلتة الطرق ثم يكون الطريق الدولي البري الذي يربطها بالعالم بهذا المستوى المتواضع جداً!
لقد كان طريق التابلاين في أعوامه الذهبية قبل عقود بعيدة جوهرة الطرق في المملكة. والفضل في ذلك يعود لشركة التابلاين التي أنشأت الطريق لكي يخدم عمليات نقل النفط عبر الأنابيب من المنطقة الشرقية إلى ميناء صيدا على البحر الأبيض المتوسط وذلك مع نهاية الأربعينيات الميلادية وبداية الخمسينيات. وقد استفاد الجميع من إنشاء ذلك الطريق وليس فقط شركة التابلاين، فقامت على امتداده مدن جديدة استقبلت القادمين من مختلف مناطق المملكة فازدهرت التجارة وأقيمت منشآت ومؤسسات، أصبحت فيما بعد شركات وطنية عملاقة، وأنشئت مستشفيات ومدارس ومرافق خدمية متنوعة. وباختصار، كان الطريق فاتحة لعصر جديد من التنمية في مناطق ظلت محرومة على مدى قرون طويلة.
كل ذلك أصبح الآن في ذمة التاريخ، فطريق التابلاين لم يواكب التقدم الذي حدث في الطرق الرئيسية في المملكة وتم تجاهله رغم أهميته الكبيرة، ونشأت طرق جديدة متطورة في كل مكان وظل طريق التابلاين على حالته القديمة مع أن حركة السير عبره تزايدت عما كانت عليه عند إنشائه.
في السنوات الأخيرة جرت تحسينات، وأصبح الطريق مزدوجاً، ولكنه ظل أقل من المستوى المأمول. ربما تكون الفترة الحالية مثالية لتطوير الطريق وتحويله إلى طريق سريع Highway وليس فقط طريقاً مزدوجاً عادياً، فالتمويل متوافر وجميع المقومات الأخرى متوافرة أيضا، ولو تحقق ذلك فإن العوائد التنموية لاقتصاديات المناطق الشمالية وللاقتصاد الوطني عموماً سوف تكون هائلة؛ فهل تبادر وزارة النقل لاتخاذ مثل تلك المبادرة التي تأخرت كثيراً؟