عندما تنبش بيدك مساحة مظلمة وغامضة الملامح.. من الصعب أن تتوقّع ما يمكن أن تلمسه أو تمسكه.. ليّن أم قاس.. رطب أم جاف.. خطر أم آمن.. وكذلك سبر أغوار الإنسان.. لن تعرف ما يمكن أن تواجهه لحظة تصل قاعه الغائب عن العيون.. فما بالك بمحاولة العبث بجذوره أو التعامل مع غموضه برعونة أو جهالة!
لذا نجد الرجل بارعاً في مجالات شتى.. وذكياً حد المكر في أي ساحة تدور رحاها بين السلطة والقوة.. تلك المنطقة التي يتحول فيها غالباً إلى ميكافيلي لا يرى أمامه إلا غايته.. ويسحق ما تعثر بطريقه.. والتاريخ مزدحم بحماقات الرجال في سبيل البطولة وليست هي موضوعنا.. إنما نتحدث عن أرض أخرى.. لم يعرف كيف يكسب ودها.. وغالب مهاراته تخوله لاستعمارها غصباً.. وترضخ له مجاملة أو لحاجة في نفس أنثى!
وللكاتب الفرنسي - ألكسندر دوما - مقولة عبقرية قال فيها: «كيف يكون الأطفال في غاية الذكاء، والرجال في غاية الغباء؟ لا بد أن التعليم هو السبب» ومكمن عبقريتها براعة الأطفال في كسب مودة وتأييد أمهاتهم حتى في أعظم أخطائهم.. في حين يفشل الرجل في ذلك مع شريكته بعد أن كبر ونسي مفاتيح الأنثى التي كان يمتلكها في طفولته.
قد تقول إن عاطفة الأمومة تلعب دوراً مهماً.. بالطبع ولا شك في ذلك.. كذلك المرأة العاشقة لا تختلف عن الأم في تضحياتها وفراديس الغفران التي تفرشها بطريق من تحب دون حساب.
هل سمعت طفلاً يهدّد أمه باستبدالها بأم أخرى؟ الرجل يفعل ذلك بكل «غباء» وينسف مكانته في قلبها.. بزعمه أن الغيرة ستفتح باب الاهتمام به.. ولا يدري أنه فتح أبواب جهنم على حياته.
هل رأيت طفلاً يعدّد معايب جسد أمه ولو على سبيل الممازحة؟ الرجل يفعل ذلك حتى يحرق ثقتها بنفسها.. وقد يجبرها أن تمارس ذات الموقف وتبدأ حرب الكلام.. أو تبحث عن من يستطيع أن يرى محاسنها بوضوح تام ويعبّر عنها.
هل رأيت طفلاً يصدق كلمة «لا».. ويتراجع ويرضخ ولا يملك حيلاً أخرى؟ الرجل يتراجع أو يفرض ما يريده فرضاً لاعتبارات الكرامة والرجولة والكبرياء ... إلخ.
الطفل يأسر قلب أمه.. فتعلم منه.. إنه يعرف متى تكون أمه مجروحة أو حزينة.. ويعرف كيف يقدم دعمه واهتمامه دون تكلّف.. بجسده الصغير يمنحها مشاعر الحب والمواساة.. لمساته.. احتضانه.. ممازحته.. وتلك الأسئلة الكثيرة وإن كانت سطحية إلا أنها لا تسمح للحوار أن ينقطع.. وتلك النظرات التي لا تهمل لغة العيون.
يسمح لها أن ترشده إليها.. وتخبره كيف يصل لها دون أن يخشى أن تظنه جاهلاً.. باختصار إنه يعرف كيف يضخ الحياة من ينابيع عاطفتها.