في السنوات القليلة الماضية، باتت الحكومات تدرك بصورة متزايدة أن الاكتفاء بالتركيز على نمو إجمالي الناتج المحلي لا يؤدّي بالضرورة إلى تحسينات في مستويات المعيشة. وبتبسيط الأمور، سنرى أن ما يخدم مصلحة زيادة إجمالي الناتج المحلي قد لا يسهم بالضرورة في تحسين المجتمع. أمّا نتيجة ذلك، فتتمثّل بإدراكنا بأننا نعمل على قياس الحاجات، لنبقى مواكبين للأمور التي نقيّمها.
على امتداد السنوات السبع الماضية، كان معهد «ليغاتوم» رائداً في هذا النقاش حول «النظر إلى أبعد من إجمالي الناتج المحلي»، مع الإشارة إلى أنّ مؤشر الازدهار السنوي الذي استحدثناه – وقد صدرت نسخة العام 2013 منه مؤخراً – يقيس الازدهار الوطني، بالاستناد إلى ثمانية ركائز أساسية، تجمع بين البيانات «المادّية» وبيانات الاستطلاعات. ولا شكّ في أنّ النتيجة هي أكثر التقييمات شموليّةً على الإطلاق للازدهار القومي.
وفي ما يلي أربع ملاحظات بارزة:
- الازدهار العالمي على ارتفاع: على الرغم من الأحداث المضطربة التي شهدتها السنوات الخمس الماضية، يشير الواقع إلى أنّ الازدهار العالمي يتزايد، بتوجيه من الإنجازات التكنولوجيّة الكبيرة، مع نفاذ عدد أكبر فأكبر من الناس إلى بنية تحتية تُعتَبر حيوية لازدهار التجارة وريادة الأعمال. إلى ذلك، يلقى الازدهار العالمي توجيهاً من الإنجازات العملاقة على صعيد الصحّة العالميّة (لا سيّما في أرجاء أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى). وعلى سبيل المثال، زاد متوسّط العمر المتوقع في أفريقيا جنوب الصحراء بأكثر من ثلاث سنوات منذ العام 2010.
- أميركا اللاتينية في طور النهوض: يُظهر مؤشر الازدهار أن أميركا اللاتينية منطقة في طور النهوض، وأنّها تسجّل نمواً اقتصادياً مستداماً، مع الإشارة إلى أنّ دولاً كالمكسيك، والبرازيل، وتشيلي، وبنما، تبلي حسناً على صعيد المقاييس الاقتصاديّة.
- خسارة أوروبا مكسب لآسيا: يسمح التوجّه الملحوظ في أميركا اللاتينية بتعزيز ملاحظة يمكن إطلاقها على نطاق أوسع، حول ظهور نظام اقتصادي جديد. ومع تراجع مكانة عدد كبير من دول الغرب – وهي أوروبية بمعظمها – بعد أن كانت من بين الاقتصاديات الأفضل من حيث الأداء في العالم، جاءت تستبدلها في أعلى المراتب دول آسيوية. وفي هذا السياق، تدخل ماليزيا، والصين، وتايلاند حالياً في عداد الدول الخمس عشرة الأولى ضمن المقاييس الاقتصادية، فتحتلّ مراتب كانت تعود قبل خمس سنوات إلى دول على غرار الدنمرك، وفنلندا، وهولندا وأيرلندا.
- بنغلادش تتفوّق على الهند: تتحرّك الدولتان في اتجاهين معاكسين منذ العام 2009. وفي التفاصيل، هوى ترتيب الهند على صعيد ستّ ركائز ازدهار من أصل ثمانٍ، في حين حسّنت بنغلادش مكانتها في ستّ ركائز من أصل ثمانٍ. أمّا التراجع الأسوأ في الهند، فسجّل في مجالات السلامة والأمن، والاقتصاد، والحكم. وتشير البيانات إلى أن البنغلادشيين يعيشون لفترة أطول، وأنّ حياتهم أكثر صحّةً وأمناً بالمقارنة مع حياة نظرائهم الهنديين.