الشركات المساهمة لا تستطيع أن تسترخي، في محاولتها خفض كلفة الإنتاج، والمحافظة على حصتها من السوق، وربما زيادة تلك الحصة. هذه طبيعة المنافسة في عمل الشركات، وخير من يذكرنا بذلك هي قائمة الشركات العالمية، التي كانت تقود الاقتصاد العالمي قبل ثلاثين سنة! وأين هي اليوم؟ ومن حل محلها؟
تلك المنافسة الشرسة فرضت إحدى حالتين، إما أن تقوم إدارة الشركة بمراجعة مناحي عملها بغرض تحسين الأداء، وخفض الكلفة، أو أن تفشل الإدارة في استقراء المستقبل، ومن ثم يأتي من يستولي على الشركة، بتأييد المساهمين غير الراضين عن أداء الإدارة، ومن ثم تفرض إصلاحات، وتغييرات، كثير منها يتمحور حول أداء العامل، سواء كان مديراً، أو سائق شاحنة.
وهناك أمثلة كثيرة لإدارات شركات لم ترَ الخطر المحدق بها، وخير مثال هنا شركة كوداك، التي كانت رائدة في مجال التصوير الفوتوغرافي لمدة 130 عاماً، لكنها أصـرّت على الاستمرار في تصميم كاميراتها لتستخدم الفيلم، في حين أن الشركات اليابانية قد تخـلَّـت عن الفيلم لصالح الشريحة (The Chip)، واليوم تصارع الشركة لتحاشي الإفلاس.
من بين القرارات التي قد تُتخذ للمحافظة على تنافسية شركة ما هناك قراران مهمان:-
1 - تخفيض عدد الموظفين (Downsizing):-
بشكل عام، كل عملية مراجعة لأسلوب عملية ما لا بد أن تبيّن وجود طريقة أفضل، أو أكثر اختصاراً للإجراءات، أو أقل كلفة، أو أقل وقتاً لأدائها. وفي ظل التطور التقني الهائل، الذي حدث خلال العقدين الماضيين، وهو يحدث اليوم بوتيرة أسرع، فإن كثيراً من الأعمال يمكنها الاستفادة من التقنية، ومن ثم تحتاج إلى يد عاملة أقل عدداً، ولكن أكثر مهارة، وهو ما يعني مميزات مادية أكبر للعامل، وإنتاجية أفضل للشركة.
2 - التعاقد الخارجي (Outsourcing):-
في الماضي كان على الشركات أن يكون تحت إدارتها جميع الخدمات التي تحتاج إليها، ومن ثم نمت تلك الشركات في كل الاتجاهات، وأصبحت لديها إدارة عقارية لإدارة العقارات، التي تملكها (بدلاً من استئجارها)، وإدارة للتقنية، وأخرى للخدمات العامة، وإدارة للعلاقات العامة، وشؤون المساهمين... إلخ.
ونتيجة لذلك فإن وقت الإدارة العليا أصبحت تتنازعه مجموعة مشاغل، تبعده عن هدفه الرئيسي، وهو خفض كلفة الإنتاج.
اليوم أصبحت عملية التخلص من الأعباء الإدارية المختلفة، وإيكالها إلى آخرين خارج الشركة، الطريقة الأفضل، بما في ذلك الاستعانة بالاستشاريين، عند الحاجة، كبديل لتوظيف أعداد كبيرة من الموظفين.
بالرغم من مَـثل شركة كوداك الذي ذكرته، فإن قطاع الأعمال الأمريكي هو الأكثر استجابة للمتغيرات، ولكن باستعراض الأوضاع حول العالم نجد اختلافات، يمكن تلخيصها فيما يأتي:-
- دول أوروبا الشرقية: لأنها كانت خارجة من نظام شيوعي شمولي، واحتضنتها أوروبا الغربية؛ فإن تبني أساليب العمل التجاري تم سريعاً، ولا فرق اليوم بين شركة ألمانية، وأخرى بولندية، أو تشيكية.
- الصين: تحافظ على خطها الشيوعي سياسياً، لكنها سمحت للشركات بحرية كبيرة؛ لكي تعمل، وتنافس، على أسس تجارية.
- روسيا: ما زالت أوهام الاتحاد السوفييتي مهيمنة على الفكر الروسي؛ ولذلك ما زالت الشركات الروسية متخلفة عن نظيراتها في أوروبا.
- جمهوريات الاتحاد السوفييتي الجنوبية: باستثناء صناعة استخراج النفط والغاز، فقد بقيت تلك المجتمعات زراعية بدائية، بإهمال من أنظمتها السياسية.
- اليابان: تعاني اليابان من إرث ثقيل يشدها نحو القاع، ويمنع التغيير، ولكن ما يخفف على اليابان هو إنتاجيتها العالية، ونسبة التوفير التي يمارسها الياباني في حياته.
- أوروبا الغربية: عانت اقتصادات تلك الدول لسنوات من هيمنة الاتحادات العمالية، وهو ما نرى آثاره اليوم على صناعة السيارات الأوروبية، ولكن دور الاتحادات في انحسار.
- الهند: حققت نجاحات اقتصادية مهمة، ولكن انفجارها السكاني، إذا لم يضبط، سيستهلك جزءاً مهماً من تلك النجاحات.
- كوريا الجنوبية: الدولة الوحيدة التي انتقلت من العالم الثالث إلى العالم الأول، دون المرور بالعالم الثاني.
- أمريكا اللاتينية: بالرغم من ثروة فنزويلا النفطية، والنجاحات التي حققتها البرازيل، فالقارة تشكو من فقر في احتياطات الطاقة.
- سنغافورة ودبي: هما من العالم الثالث جغرافياً، ولكن من العالم الأول في الفكر الاقتصادي.
- دول العالم الثالث: بطبيعتها هي مجتمعات أبوية عاطفية، تقدم الحنان الأسري على المصلحة، لكنها بذلك تتسبب في تخلفها الاقتصادي؛ لأنها تؤجل مواجهة المشاكل، أو كما يقال: «تكنس المشكلة تحت السجاد».
- ولذلك هنا في المملكة، ونحن جزء من العالم الثالث، نتحدث عن الإصلاحات الاقتصادية، والإدارية، عندما تنخفض أسعار البترول، ونروِّج لدور القطاع الخاص في إدارة الاقتصاد، ولكن حالما ترتفع أسعار النفط تجمد خطط التخصيص، ونعود إلى دور الحكومة، كأخ كبير يوظف الجميع، بغض النظر عن الإنتاجية، ونتبنى المقولة التي تقول «إذا لم تكن مكسورة فاتركها لحالها، ولا تصلحها»!!