في مؤتمر العرب الذي انعقد في هارفرد تألق السماري شمسا -حقيقة لا مجازا- بين نجوم المتحدثين من طلبة هارفرد. السماري طالب سعودي يدرس البكالوريس في هارفرد. والقبول في الجامعات النخبة الأمريكية كهارفرد وستانفورد وأمثالها لمرحلة البكالوريس والدبلومات الطبية والقانونية المهنية، هو من أصعب الأمور على الإطلاق، ولا يقارن مطلقا بمستوى صعوبة القبول في هذه الجامعات للدراسات العليا، كالماجستير والدكتوراه. ولذا يندر أن تجد سعوديا في هذه الجامعات يدرس البكالوريس أو الجي دي - دبلوم مهني قانوني- . فبالإضافة إلى شبه استحالة القبول، فإن وزارة التعليم العالي لا تقدم أي مساعدات للطلبة السعوديين -خريجي الثانوي- المؤهلين من أجل تسهيل قبولهم في هذه الجامعات، كالضمان المالي مثلا، كما تفعل المنظمات الأمريكية لمنتسبيها المتفوقين، وكما تفعل غالب دول العالم وعلى رأسها الصين والهند. وكم من سعودي وسعودية، حصلوا على مستوى مقبول من درجات اختبارات القبول، ثم لم يقبلوا في هذه الجامعات بسبب عدم وجود الضمان المالي. ولو حصل سعودي على قبول البكالوريس في هذه الجامعات، فلا تسأل عن التعقيدات والعقبات التي تواجهه لإلحاقه بالبعثة، إلا أن يعلم الوزير أو نائبه - الدكتور السيف- بحاله، فيأمرون بابتعاثه. فإذا جاء أمر الابتعاث، تناوله البيروقراطيون فعرقلوه وأخروه واختلقوا العقبات. وهذه الجامعات تختلف في أنظمتها وثقافتها التعليمية عن الجامعات الأخرى، مما يخلق مجالا واسعا لتعقيدات البيروقراطيين.
فأحيانا قد يكون هناك سعودي مرافق، ثم يحصل على قبول للماجستير مثلا في هارفرد، وهو قد حصل على ماجستير من قبل من جامعة مغمورة، فيرفض النظام دفع تكاليف الدراسة. فكأن النظام يفضل أن يعيش المرافق «سبهللة» أو أن يقتات على الدورات بدلا من أن يحصل على ماجستير آخر في تخصص مقارب أو مختلف من هارفرد أو ستانفورد.
دول الخليج فضلا عن الدول الفقيرة، تساند وتميز طلبتها في هذه الجامعات، وذلك بزيادة المخصصات لهم، وبالتجاوز عن البيروقراطية في التعامل مع احتياجاتهم. بل إن النخبة الأمريكية تفعل الأعاجيب من أجل قبول أبنائها في هذه الجامعات، ويقدرون من يقبل فيها. وأذكر أنه عندما قبلت طالبة سعودية في هارفرد لمرحلة البكالوريس قبل ست سنوات تقريبا، أقام السفير الأمريكي -آنذاك- لها ولعائلتها -بمناسبة قبولها- حفل تكريم على شرفها في منزله حضره نخبة علمية. بينما على الجانب الوطني فقد تعقد أمر ابتعاثها الصريح والفوري الذي أمر به وزير التعليم العالي -مشكوراً- لعدة أشهر بسبب عرقلته من الإدارات التنفيذية. ثم حتى بعد وصول أمر الابتعاث للملحقية، زعم أحدهم في الملحقة الثقافية أن هارفرد ليست معترفا بها بسبب عدم ذكر التخصص في خطاب القبول!!، حتى تدخل الدكتور السبيل هناك حين علم، فأنهى الموضوع، فهذه الجامعات لا تعين تخصصا في قبول البكالوريس . وكذلك كان الحال مماثلا مع السماري، ولم يحله إلا الملحق، الدكتور العيسى الذي استثنى هارفرد من النظام. واليوم، يرفض النظام دفع التكاليف الدراسية لفصل دراسي يأخذه السماري -بتوصية من هارفرد- في جامعة كولومبيا في فرنسا، والتي هي أيضاً من أعظم الجامعات الأمريكية. وهناك حالات كثيرة، لا يقام فيها أي اعتبار لدعم وجود السعوديين في أمثال هذه الجامعات، وتقدم البيروقراطية على أي اعتبار، بل وأحيانا، وتشعر وكأنهم يحاربون لكونهم حققوا مثل هذا النجاح. والسماري مجرد مثال، أحيا في نفسي الحسرة والألم عندما رأيته وقد تألق سعوديا في محفل عالمي لنخبة أذكياء العالم، ثم هو يشتكي التضييق عليه، ببيروقراطية النظام. أفلا يستحق السماري أن يعامل بخصوصية، ولولاه لما كان هناك حضور للسعودية وقد حضرت غالب دول العرب والعجم. وقد وعدته بأن أكتب في شأنه، ولكني أخبرته بأن يستعد، فإن أنواعا منوعة من التضييق والتهميش ستواجهه بعد تخرجه ورجوعه للسعودية. وإن كونه خريج هارفرد في بلادنا، هو عقبة ستقف أمامه كثيراً.
ففي دول العالم الثالث عموما لا يعامل المتميز بما يستحق ( وحقه بأن يميز عن غيره) كما تميز وتفوق على الآخرين. وهذا إما بسبب البيروقراطية في حالة عدم وجود الفساد الإداري، وإما بسبب تقريب الأقرباء والأصدقاء والمصالح، وإما بسبب الحسد والغيرة. فإن سلم المتميز والمتفوق من السبب الأول لم يسلم من الثاني أو الثالث، وحدث عن الثالث -الحسد والغيرة- ولا حرج. ولذا تظل دول العالم الثالث تراوح في درجتها الثالثة، وتظل طاردة للكفاءات من أبنائها أو محبطة لهم أو عقبة مانعة لتميزهم. وهذا ليس مستغربا في بلادنا في القطاع الحكومي - وأحكي هذا عن تجربة شخصية وحالات أعرفها الآن- ولكن المستغرب أن تتحكم البيروقراطية في وزارة التعليم العالي حتى يعجز جهازها الإداري عن تحقيق رؤية الوزارة الواضحة والصادقة في دعم الطلبة المتميزين والمتفوقين.
يا معالي الدكتور الوزير ويا معالي نائبه رؤيتكم واضحة في هذا الباب وجهودكم في دعمكم لأبنائكم المتفوقين سابقة ومشكورة، والصعوبات البيروقراطية الممثلة في اللجان ونحوها، ما كان لها أن تعطلكم عن دعم أبنائنا في مساعدتهم في دخول هذه الجامعات ثم مساعدتهم في تجاوز العقبات بسبب اختلاف أنظمة هذه الجامعات عن الجامعات الأخرى فضلا عن مكافأتهم لتميزهم. فلو تنظرون في مقترح تشكيل إدارة مستقلة ترتبط بكم مباشرة وتكون هي المختصة بشئون هذه الجامعات والتعامل مع كل ما يتعلق بها من طلبات وحالات وتسهيلات للقبول فيها، وتكون خارجة عن اللجان وعن بيروقراطية الوزارة، فهذا مجرد اقتراح، ولا تخلو جعبتكم من الحلول، ونيتكم من الحرص والصدق والإخلاص، والله هو الموفق.