انسحب نواب كتلة حزب التكتل الحليف الأصغر للنهضة في الترويكا الحاكمة من المجلس التأسيسي؛ وذلك احتجاجاً على التعديلات التي تم إدخالها على أحكام النظام الداخلي للمجلس. فقد اعتبر حزب التكتل أن هذه التعديلات تهديد للوفاق الوطني؛ إذ قلصت كثيراً من صلاحيات مكتب المجلس ورئيسه مصطفى بن جعفر، الذي يظل أيضاً رئيساً لحزب التكتل.
فالمجلس التأسيسي الذي يسعى إلى تعجيل بالانتهاء من صياغة الدستور للمرور إلى تشكيل الهيئة المستقلة للانتخابات سجّل تراجعاً خطيراً على مستوى أشغاله بعد تعليق نواب التكتل أنشطتهم داخل اللجان وفي الجلسات العامة، بما يعني أنه في حال عدم التراجع عن هذه التعديلات التي وصفها البعض بـ»الانقلابية» سوف يظل نواب النهضة والمؤتمر قادرين وحدهم على قيادة المجلس دون أن يفسحوا مجالاً للمعارضة لتقول كلمتها بشأن القوانين.
ولا تزال المساعي جارية لإثناء نواب الأغلبية عما صادقوا عليه أمس الأول، وإعادة ترتيب الأوراق بما يتماشى ودقة المرحلة ويستجيب إلى بنود خارطة الطريق التي تلزم كل الأطراف بالتسريع بإحلال التوافق، وعدم الانفراد بالقرار. فتعطل الحوار الوطني بسبب تعثر تنفيذ المسار الحكومي والاتفاق حول مرشح وحيد لمنصب رئاسة الحكومة الجديدة رمى بظلاله على المجلس التأسيسي، بالرغم من أنه السلطة الشرعية في البلاد، إلا أن التعديلات المسقطة على نظامه الداخلي بعثرت أوراق نواب المعارضة الذين انسحبوا هم أيضاً من المجلس مشترطين للعودة التراجع عن التنقيحات الأخيرة التي تسهم في تغول النهضة، حسب تصريحاتهم.
هذا، ويتحدث المراقبون عن تصدُّع حقيقي بين النهضة وحليفها المؤتمر من جهة، والتكتل الذي بدا أقرب إلى المعارضة منه إلى الترويكا الحاكمة من جهة أخرى. على أن الأنظار باتت متجهة أكثر إلى التأسيسي بعد هذه الحادثة التي شلت نشاطه، وأحالت عدداً من نوابه إلى البطالة القسرية بعد أن كان الاهتمام منصباً على مساعي إعادة الحياة إلى الحوار الوطني من جراء اختلاف الفرقاء السياسيين الجالسين إلى طاولة الحوار حول الشخصية المرشحة لخلافة علي العريض في منصب رئاسة الحكومة الجديدة.
إلا أن المفارقة في خضم هذا الخلاف القديم الجديد بين النهضة والمعارضة، وفي ظل توتر العلاقات وتوقف التنسيق بينهما، أن النهضة الحاكمة تظل متمسكة بترشيح أحمد المستيري رجل السياسة المستقل، فالحوار الوطني الذي طغت عليه التجاذبات الحادة خلال الأيام القليلة الماضية، والذي من المنتظر أن يعود إلى سالف نشاطه بعد ثلاثة أيام وفق تقدير كل من رئيس اتحاد الشغل وزعيم النهضة، لن يكون من اليسير وضعه على السكة مرة أخرى؛ لأن الوضع اختلف بتعمق الخلافات وانتقالها من مقر الحوار إلى داخل قبة المجلس التأسيسي؛ إذ أضحى الأمر وكأنه حرب معلنة بين الكتل النيابية التي كانت بالأمس القريب متحالفة. وبالرغم من تأكيدات الحسين العباسي رئيس اتحاد الشغل ومن ورائه الرباعي الراعي للحوار أن الجلسات ستستأنف قريباً، إلا أنه يبدو أن الأمر صعب جداً في ظل تمسك الترويكا باسم أحمد المستيري لخلافة علي العريض، إلا أن أحزاب المعارضة منقوصة من أهم أضلاعها (الحزب الجمهوري) غير قادر على قيادة البلاد، وترشح مكانه السياسي محمد الناصر.