عندما تناول الأستاذ داوود الشريان مقدم برنامج الثامنة مشكوراً معاناة “ضحايا الطلاق” في حلقة الأربعاء الماضي، وسلط الضوء أكثر على معاناة المطلقات من خلال تناوله مواقف حقيقية تتعرض لها المطلقات وأبناؤهن، فإننا نتألم فعلاً بأنها تقع وتتكرر في مجتمعنا المسلم الذي تقوم شريعته الإسلامية على التكافل الاجتماعي، والستر، وإعطاء كل ذي حق حقه. لكن ما نلمسه من معاناة كثير من المطلقات لدينا لحالٍ لا يرضي الله ولا رسوله الكريم، ولا تقبلها النفس الكريمة أن تحدث لأقرب الناس لها، والشواهد على ذلك كثيرة، والأدلة من واقع عملنا مع حالات العنف الأسري بشكل يومي أكثر!
والمؤسف أن هذه المعاناة مستمرة في ظل غياب جهات الإنصاف القوية لهن متمثلة أولاً في “المحاكم الأسرية” التي ما زلنا ننتظر وزارة العدل لكي تعلن إنشاءها رحمة بمتضرري القضايا الأسرية، أو افتتاح أقسام ملحقة ببعض المحاكم لدينا للبت في مثل هذه القضايا على وجه السرعة والتخصص، لكن للأسف الشديد لا أعلم لماذا هذا التأخر الذي يسيء لجميع جهود الجهات الأخرى من حيث التدخل والدراسة والتشخيص! وكمثال على ذلك المطلقات المعنفات، وأطفال النزاع الأسري عندما يلجأون لجهات الحماية الاجتماعية أو جمعية مودة للمطلقات بحثاً عن إنصافهم ومساعدتهم للحصول على حقوقهم المسلوبة، فإن تلك الجهات تقوم بدورها الاجتماعي والنفسي والطبي، وتحديد آثار العنف الواقع عليهم نتيجة لحرمانهم من حقوقهم، من خلال الوقوف على واقع معاناتهم عن قرب، وبعد ذلك تكتب توصياتها ثم رفعها للجهات القضائية للبت في أمرها حسب شكواها، لكن للأسف الشديد تأخذ قضاياهم فترة من الزمن تسيء لواقعهم ومعاناتهم أكثر! إلى جانب أن هناك كثيرا من القضايا البت فيها ليس من اختصاص وحدات الحماية الاجتماعية حتى يتم اتهامهم بالقصور أو التساهل في متابعة قضاياهم، ولا حتى الجمعيات الخيرية لها صلاحية البت في قضاياهم، أو مكاتب الضمان الاجتماعي التي لا تستطيع الاستمرار في مساعداتها لتلك الحالات بدون إثبات لهويتها، لأن البت فيها أمر شرعي بالدرجة الأولى والمختص بذلك هم “القضاة” وليس الأخصائيين الاجتماعيين أو النفسيين في وحدات الحماية الاجتماعية! وكمثال لهذه القضايا الآتي:
- قضايا إثبات النسب وما تحتاج إليه من جلسات شرعية بين الزوجين لمعرفة سبب إنكار الأب لأبنائه، وما يتبع ذلك من إجراءات لاحقة للتأكد من نسب الأبناء عن طريق التحليل الوراثي.
- قضايا مطالبة المُطلقات بحضانتهن على أطفالهن، أو ولايتهن عليهم.
- قضايا كفاءة النسب.
- قضايا الخلع، أو فسخ النكاح.
- قضايا العضل.
إن جميع هذه القضايا تتدخل فيها وحدات الحماية الاجتماعية بتقديمها التقارير الشاملة التي تثبت تضرر أصحابها من الإهمال أو الظلم أو العنف الواقع عليهم بسبب إنكار النسب أو العضل أو التطليق بسبب كفاءة النسب، لكي تكون بيد القضاة أو الحاكم الإداري لكي يقرروا الحل المناسب لتلك الحالات لرفع الظلم عنها وعدم استمراره.
لكن للأسف الشديد معاناة المطلقات والأرامل والمعنفات لن تنتهي في وقت قياسي، لأن هناك حلقة مفقودة ما بين الجهات المعنية بمعالجتها بسبب “عدم الاهتمام بوجود المحاكم الأسرية” إلى الآن، التي لا يحتاج أمرها كل هذا التأخر في ظل مشروع الملك عبدالله -حفظه الله- لتطوير القضاء!!