الكثير يجهل النتائج المؤسفة التي يسببها غياب “دور الأب القائد” في الأسرة، وخاصة مع الأبناء الذكور، ذلك القائد الذي يخطط في قيادته الأبوية ماذا ستكون نتائج قيادته الإيجابية على شخصيات أبنائه.. لأن تربيتهم وإعدادهم لا يتوقف على التكوين الشخصي لهم داخل النطاق الأُسري، بل يتوقف على كيفية تهيئتهم للاندماج الخارجي مع المجتمع وما يحمله ذلك الاندماج من مواقف يومية تنكشف من خلالها نوعية السلطة الأبوية على هؤلاء الشباب في بعض المواقف الصادمة مع الآخرين وخاصة مع الجنس الآخر!.. ومانشاهده بشكل يومي في المراكز التجارية، والأماكن العامة من توخي الحذر بين الجنسين وترقب حدوث ما لا يحمد عقباه، أرى أن الأسرة لها دور كبير في تلك الممارسات الخاطئة والتي تشير إلى عدم الخجل والحياء من بعض الممارسات السلوكية الشاذة والقيام بتصويرها وتوثيقها وتطعيمها بالعبارات غير اللائقة لا دينياً ولا اجتماعياً، وتهويلها وربطها بالظنون الجنسية الشاذة التي تسيء للسمعة والمكانة!.. والإصرار والتفاخر على نشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي والتي أصبحت ولله الحمد شاهداً على من لا شاهد عليه من حيث التشهير والإساءة للآخرين عن سبق إصرار وترصد! وما حدث على الساحة الاجتماعية في الأيام الماضية يشير إلى خطر كبير يهدد الكيان الأسري للخلل الواضح الذي طرأ على السلطة الأبوية المُغيّبة لدى كثير من الأُسر وعدم إحساس المراهقين بها، وعدم معايشتهم لتلك السلطة عن قرب، فالكثير من الآباء عندما تكون رعايته الأبوية مخلصة وصادقة مع أطفاله من الصغر، فإنه بلاشك يتشكل لديهم ارتباط والديّ وثيق، يقوم على الحب المتبادل والاحترام والتقدير، ونجدهم في مراحلهم العمرية اللاحقة يحرصون على الاهتمام بسمعة العائلة ومكانتها، والتفكير مئات المرات قبل الإقدام على علاقة غرامية عابرة بفتاة، أو مشاركة رفقاء السوء في أي جولات على الأسواق وملاحقة الفتيات سواء كن متبرجات أو محتشمات؛ “فهذا ليس المحك الرئيسي، ولا المبرر المقبول لانحرافات الشباب العلنية” ويتأنون كثيراً في الاندفاع لممارسة أي سلوك يسيء لسمعة عائلاتهم خوفاً من الغضب الذي سيلحق بهم! وجميع هذه الاعتبارات للسلطة الوالدية لاتحضر بقوة إلا عندما يكون الآباء نموذجاً صادقاً يحتذى به من قبل أبنائهم وخاصة من هم في طور المراهقة والشباب والذين يتأثرون بالاتجاهات الوالدية من الصغر، وتتراكم لديهم الخبرات السية وتظهر فجأة عند المواقف الصادمة مع الآخرين وبالذات عند التعامل مع “الجنس الآخر”!.. لذلك لا تتوقعون أبداً من الشباب احترام الفتيات في الأماكن العامة وعدم التعرض لهن بالأذى والتحرش اللفظي والفعلي، وهم نتاج تربية ذكورية لا تحترم وجود المرأة في حياتهم بداية من مكانتها “كأم” إلى مكانتها “كامرأة عابرة في الطريق”!.. فالذين يشاهدون أمامهم ممارسات ومفاهيم خاطئة من والديّهم تجاه المرأة لاتتوقعون منهم الاحترام والتقدير لأي فتاة تمر من أمامهم!.. وعندما تزرع الأسرة بداخل ذكورها من الصغر بأن عيبهم محمول، ومغفور فماذا ستتوقعون منهم تجاه إناث الآخرين! وعندما يتعايش هؤلاء الذكور داخل أسرهم ممارسات والدهم القدوة غير المشروعة مع نساء يخدعهن ويغرر بهن، فلا تتوقعون منهم المثالية في احترام النساء الأخريات مهما احتشمن وابتعدن عن طريقهم خوفاً من تحرشهم اللفظي أو الفعلي لتلك الروح العدائية والانتقامية المُسيطرة عليهم تجاه النساء اللاتي أخذن مكانة أمهاتهن في الظلام!.. والذي أختم به مقالي هو “ما نشاهده من ممارسات غير طبيعية ما بين الجنسين ليس بسبب غياب العقوبات فقط، بل بسبب الخلل في القيادة الأبوية التي تعاني منها كثير من الأسر والتي تزامنت أيضاً مع الخلل الثقافي في كيفية التعامل مع التقنية الحديثة واستغلالها في توثيق السيئات والافتخار بها بدلاً من البحث عن الستر.