ماذا يعني حق العودة للاجئين الفلسطينيين؟ سؤال يطرحه الكثيرون على الفلسطينيين من رسميين وعاديين، وقد يقف البعض حائراً في الإجابة على هذا السؤال، بعد مرور ستة وستين عاماً على نكبة الشعب الفلسطيني، على يد العصابات الصهيونية ودولة الانتداب على فلسطين بريطانيا، والنظام الدولي الذي تشكل عقب الحرب العالمية الثانية، وقد تمثلت النكبة في تبديد الوطن الفلسطيني، حيث أقيم على ما يزيد عن 78% من أرض فلسطين كيان الاغتصاب الصهيوني، الذي يفتقد لأي مشروعية سياسية أو قانونية أو تاريخية، وترافق مع ذلك تبديد الشعب الفلسطيني ليهجر في حينه أكثر من ثمانمائة ألف فلسطيني من مدنهم وقراهم التي عاشوا فيها وبنوا فيها حضارتهم واقتصادهم وثقافتهم جيلاً بعد جيل منذ آلاف السنين، وهذا ما تثبته الأبحاث التاريخية والأثرية، فالشعب الفلسطيني المعاصر هو امتداد لتلك الأقوام العربية أبرزها الكنعانية التي عاشت وعمرت فلسطين منذ الأزل وأقامت أول مدينة على وجه الأرض (مدينة أريحا)، وكذلك القدس والخليل ونابلس وغزة.
فكيف لقوة ما باغية أو عادلة أن تحرم الشعب الفلسطيني من الاستمرار في العيش في وطنه؟! وأن توقف تطوره ونموه ومواصلة بناء حضارته التي تمثل ركناً أساسياً في الحضارة الإنسانية؟! من خلال هذه التساؤلات وبوحيها يمكن لنا أن نجيب على السؤال الذي تصدر هذه المقالة، وهو حق طبيعي وسياسي وقانوني وحضاري وثقافي ومقدس، فردي، وجماعي للشعب الفلسطيني في مواصلة العيش والحياة الحرة والشريفة والكريمة في وطنه الذي لا وطن له غيره أو سواه، وقد حاول النظام الدولي أن يستر عورته المتجلية في تآمره مع القوى الصهيونية والاستعمارية على الشعب الفلسطيني وطناً وشعباً وأصدر القرار رقم 193 لسنة 1948م في التاسع والعشرين من نوفمبر لذلك العام، الذي قضى بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التي شردوا منها، وتعويضهم عما لحق بهم من أذى، أو التعويض على من لا يرغب بالعودة، حيث أصبحت ديارهم تقع في حيز الكيان المغتصب، الذي قبلت عضويته في الأمم المتحدة بشرط الالتزام بتنفيذ القرار 193 المشار إليه أعلاه.
إن الحق الطبيعي للإنسان في العيش في وطنه بأمن وسلام حق كفلته له الشرعية الدولية ممثلة في ميثاق الأمم المتحدة واتفاقيات جنيف الأربعة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وكافة المواثيق والأعراف الدولية السابقة على ذلك، وبالتالي فإن التنفيذ الأمين والدقيق للقرار 193 الخاص باللاجئين لا بد أن يأخذ بعين الاعتبار هذه المبادئ والمواثيق دون إجحاف، ودون النظر إلى الأمر الواقع الذي فرضه كيان الاغتصاب والذي يتذرع به اليوم كونه كياناً بني على أساس عنصري مقيت يتعارض وواقع بناء الدول الحديثة، التي هي دول مواطنيها وليست دول أعراق أو ديانات تستند إلى العرق أو الدين كما يدعي كيان الاغتصاب الصهيوني ليغلق الطريق أمام ممارسة اللاجئين الفلسطينيين لحقهم الطبيعي في العودة إلى موطنهم وتنفيذ القرار الأممي 193 بشأنهم.
فحق العودة للاجئين الفلسطينيين هو حق طبيعي وقانوني وسياسي وحضاري فردي وجماعي للاجئين الفلسطينيين، الذين يربوا عددهم اليوم على خمسة ملايين موزعين على العديد من دول الجوار والدول الأخرى، وهو حق مقدس لا يجوز التهاون به أو التقليل من أهميته أو عقد الصفقات السياسية مع الكيان الصهيوني على حساب هذا الحق المقدس، ولن يستتب الأمن والسلام في فلسطين والشرق الأوسط دون تنفيذ هذا الحق الطبيعي للاجئين الفلسطينيين.