الإشارة الأولى عمليا، جاءت عندما لم تلقِ المملكة كلمتها في الجمعية العمومية للأمم المتحدة هذا العام، تعبيراً عن اعتراضها على عجز المنظمة الدولية عن حل أي من القضايا التي تعرض عليها..
والتأكيد جاء بعد أن اعتذرت الحكومة السعودية عن قبول عضويتها بمجلس الأمن الدولي -أهم أجهزة المنظمة الأممية-، عقب انتخاب المملكة لشغل مقعد غير دائم فيه، والسبب إخفاق المجلس في التعامل مع قضايا المنطقة الراهنة، وحل القضية الفلسطينية والصراع في سورية وإخلاء منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية.
ويعتبر اعتذار المملكة عن شغل مقعدها في مجلس الأمن خطوة مفاجئة وغير مسبوقة في تاريخ الهيئة الدولية.
وكان السؤال الأكثر تداول دوليا ودبلوماسيا -أيضا-: ماذا يريدون (السعوديون) أن يقولوا..؟!
ثم أصبح: هل سيؤثر الغضب السياسي السعودي على الأمم المتحدة..؟ هل يدفع مجلس الأمن إلى وضع مزيد من الضغوط لحل الصراع الدائر في سوريا؟، أو انتهاج سياسات أفضل للتعامل مع القضايا العالقة..؟
صحيح أن الرسالة السعودية أصبحت واضحة، إلا أن الرغبة لدول اختارت السعودية لهذه العضوية في هذه المرحلة تحديدا، هي الدعوة بإصرار للسعي في دعم إصلاح الجمعية الأممية من الداخل.
الحقيقة أن المملكة ظلت وستبقى دولة مؤثرة في المشهد الدبلوماسي الدولي في نيويورك، ومن المهم أن نذكر هنا، أنها عضو مؤسس في منظمة الأمم المتحدة، وشاركت في مؤتمر سان فرانسيسكو الذي تم خلاله إقرار ميثاق منظمة الأمم المتحدة بوفد رأسه جلالة الملك فيصل بن عبدالعزيز -رحمه الله- عندما كان وزيرا للخارجية، وهي عضو فاعل وداعم لأجهزتها ولكل المنظمات الدولية المنبثقة.
وبوصفها من الدول الموقعة على ميثاق إنشاء المنظمة المتحدة، ظلت تعتز بالتزامها الدائم بالمبادئ والأسس التي تضمنها، وبسعيها نحو وضع تلك المبادئ والأسس موضع التطبيق العملي، مع العمل باستمرار على دعم المنظمة ووكالاتها المتخصصة بوصفها تشكل إطارا للتعاون بين الأمم والشعوب ومنبرا مهما للتفاهم ووسيلة لفض المنازعات وعلاج الأزمات..
إلى ذلك يقول خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود في كلمته -حفظه الله- في قمة الألفية 2000م.
“إن حكومة المملكة العربية السعودية تنوّه بالجهود المبذولة حاليا والهادفة إلى تحديث وتطوير الأجهزة التابعة لمنظمتنا على النحو الذي يمكنها من القيام بدورها المطلوب وبالمستوى الذي يجعلها تواكب التطورات والمستجدات التي تجتاح العلاقات الدولية في الوقت الحاضر... ومن هذا المنطلق فقد يكون من المفيد ونحن نتدارس الأفكار الإصلاحية المطروحة أن نربطها بطبيعة القضايا التي تتصدى لها.. إن إدخال بعض الإصلاحات الهيكلية والتنظيمية للارتقاء بأداء الأمم المتحدة وزيادة فعاليتها قد يكون ضروريا في الحقبة الراهنة، إلا أن هناك حقيقة ثابتة وراسخة لا مناص من تجاهلها أو التهرب منها وأعني بذلك أن مقدرة هذه المنظمة على القيام بأعبائها والاضطلاع بمسؤولياتها الثابتة والمستجدة تظل مرتبطة بمدى توافر الإرادة السياسية لوضع مبادئها وما تضمنه ميثاقها من تطلعات ورؤى موضع التنفيذ الفعلي”.
إذا دعوة المملكة لإصلاح المنظمة الدولية وأجهزتها ليست جديدة. الجديد هو التعبير عنها على هذا النحو، والانسحاب المفاجئ من عضوية جاءت بعد انتخاب وإعداد.
والدول التي تفهمت موقف المملكة، خاصة سفراء الدول العربية والإسلامية يسعون اليوم لمحاولة مطالبة السعودية بالتراجع، بعد أن وصلت الرسالة، ووصل صداها، حول ازدواجية المعايير وانتقائية التطبيق، وتقييد استعمال حق النقض.
مطالب العودة العربية والإسلامية والدولية المأمولة للسعودية لعضوية مجلس الأمن، تأتي بهدف العمل من داخل المنظمة وعبر هذه العضوية في تحريك الملفات وتوجيهها بما يخدم مصالح الأمة، والسماع لما يدور من حوارات وتحالفات جديدة في الخارطة السياسية الإقليمية والعالمية في هذه المرحلة الدقيقة، حيث يحتاج العرب للحضور السعودي في قلب وأهم أجهزة الأمم المتحدة المسؤول عن حفظ السلام والأمن الدوليين.. فالمملكة لم تكن أبدا، ولا يمكن لها أن تكون بمعزل عن مشهد دولي هي مؤثر فاعل في كل امتداداته وتحركاته، غير أن المملكة بقرارها عدم قبول العضوية لديها مبرراتها في ذلك.