أقسم الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الدكتور عبداللطيف آل الشيخ، (ثلاثا) أمام والد ضحيتي مطاردة الهيئة المميتة التي شهدتها الرياض، وقال خلال مواساة وتقديم عزاء لوالد ضحيتي مطاردة الهيئة (والله.. ثم والله.. ثم والله.. إن موضوعكم الآن في أيد أمينة، ولن تتدخل فيه الهيئة لا من بعيد ولا من قريب، ولا أحد له الحق أن يتكلم فيه حتى تخرج النتائج، والنتائج بإذن الله في أيد أمينة لأجل ذلك والله ثم والله ثم والله لن تتدخل الهيئة في مجرى التحقيق لو أنه على أرقابنا).
والحقيقة أن الضجة و الغضبة الاجتماعية من تجاوزات هيئة الأمر، وبعدها عن المنهج الأساسي - المفترض - عبر النصيحة والرفق، والحكمة والموعظة الحسنة، كما في أدبياتها، أصبحت موثقة ومعروفة، وسبب أول للتذمر من هذا الجهاز، فالتجاوز أصبح الصورة الذهنية المجتمعية عن الجهاز وغلظته !، “فهل من الحكمة مطاردة الآخرين -حتى وإن كانوا على خطأ -حتى يلفظوا أنفاسهم ويفقدوا حياتهم؟!”، كما قال مغرد.
الإشكالية ليست في هذه القضية وحسب، وهي القصة التي اتخذت أبعاداً غير مسبوقة لعوامل عديدة تتعلق بشبكات التواصل الاجتماعي، والبعد الاجتماعي القبلي للضحية والمصاب،كما الانفتاح الإعلامي الذي يتعامل مع الهيئة بنفس الطريقة التي يتعامل بها مع أي جهاز حكومي آخر، فالأخطاء و التجاوزات الطبية، من الصحة مثلاً -، تنقد بنفس الطريقة، فكلاهما - الهيئة والصحة- أجهزة حكومية، ومنسوبيها موظفي دولة، بلا تفضيل أو تقديس أو هالة توضع على هذا أو ذاك، بالعكس فإن الأهمية لقطاع الصحة قد تتفوق على جهاز دوره النصح والإرشاد!
نحترم تصريحات الرئيس العام للهيئة بالقول بعدم التدخل في التحقيقات، وأن لهذا القضية مسارها العادل في إطار التحقيقات من اللجنة المشكلة، ومهما تكن النتائج، إلا أننا الآن أمام صورة صارخة جدا للممارسات كيف يتم السكوت عنها، أو التجاهل، أو التغاضي، وصولاً لمرحلة الإنكار لدى المتعاطفين، بسبب الهالة الشرعية أو الحصانة الشكلية الممنوحة لهذا الجهاز، في ظل إرث قديم.
لكن الجميع يعرف جيدا، أن الحسبة والاحتساب لم يكن وظيفة أبدا، لكنه أصبح كذلك مع تطور الدول الحديثة، وتنوع أجهزة الضبط الإداري والأمني والاقتصادي، في عمل الاحتساب الشامل، فيما بقيت الهيئة بأشكالها التقليدية محددة في التذكير بالعبادات ورصد التجاوزات الأخلاقية، دور أشبه بدور شرطة الآداب العامة في دول عديدة حديثة.
لكن رمزية الهيئة شكلاً ومضموناً جعلها تبقى وتستقوي، وتتجاوز كل الصلاحيات المكتوبة، عبر اجتهادات لم يعد لها ما يبررها في العصر الحديث.
بقاء الهيئة بوضعه الحالي يجب أن يكون محل نظر، والحل الأمثل لمنسوبيها أو المتعاطفين معها، أن تتحول إلى شرطة آداب عامة، غير خاضعة لتيار أو اتجاه متدين ولكن شرطة آداب مدنية.
وهو ما يعني إنشاء شرطة آداب ودمج أعضاء الهيئة المناسبين فيه، بعد تأهيلهم أمنياً للتعاطي مع العامة، والتعامل مع المجتمع برقي ووعي وإنسانية، وتحويل غير القادرين على إكمال التأهيل لوظائف إدارية ودعم فني، وبالتالي يحتفظ الغالبية بوظائفهم الحكومية، ويتم إنشاء شرطة آداب للمواقع العامة، أي شرطة آداب، لا شرطة دينية..!