سمح الاحتلال الأميركي للعراق العام 2003 بتغلغل إيران وسيطرتها على مفاصل الدولة من خلال الحكومة،
والبرلمان الذي بات موجهاً لتحقيق مصالح إيران، ودعم المشروع الصفوي في المنطقة.
لم يكن الأمر وليد الصدفة، ولم تتعامل إيران مع الظروف الطارئة وتقتنص الفرص السانحة للسيطرة الكلية على العراق كما يصوره البعض، بل كان نتاج مشروع إستراتيجي إيراني - أميركي تحصل على الدعم اللا محدود من قِبل دولة عربية أسهمت في التمهيد للاحتلال، وتوجيه العراقيين نحو الطريق الخطأ حين روّجت لمقاطعة الانتخابات الأولى بسبب «الاحتلال الأميركي» ما سمح للصفويين، وعملاء إيران بإقصاء الوطنيين، والسيطرة على البرلمان العراقي الذي أجاز الدستور، وأعاد إصدار القوانين وأعطى الشرعية التامة للحكومة المنفذة للأجندة الصفوية في إيران.
اكتشف العراقيون خطأهم الإستراتيجي الذي حُملوا على تبنيه، ما أعطى عملاء إيران فرصة البدء في تنفيذ المخطط الصفوي في العراق.. نجحت إيران من خلال البرلمان في السيطرة الكلية، وتمكنت من تعيين حلفائها في الوزارات الحساسة، وسيطر نوري المالكي، وحزبه، على الوزارات السيادية وعلى رأسها الدفاع والداخلية، إدارياً، وعملياً، من خلال الاحتفاظ بالحقيبتين الأهم أمنياً، إضافة إلى تطهيرهما من القيادات العروبية، وتعيين الموالين، وترفيع عدد كبير من الضباط المجنّدين الموالين، واستغلال قانون المساءلة والعدالة لتصفية الحسابات السياسية داخل الوزارتين.
عملت إيران منذ العام 2003 لإنجاح مشروعها «الصفوي» في العراق على اعتبار أنه يمثّل المرحلة الأولى من مشروعها الرئيس في المنطقة، وهي تعتمد، في تحقيق ذلك الهدف، على ثلاثة عناصر رئيسة: لعبة الديموقراطية التي نجحت في إدارتها وإيصال (نوابها) إلى البرلمان العراقي، وبالتالي تشكيل الحكومة، وليكونوا ممثلين لإرادتها السياسية لا إرادة الشعب، والأموال القذرة التي طوعت كثيراً من الأحزاب والسياسيين وقادة الرأي والمجتمع، وأسهمت في تغيير الولاءات والقناعات بشكل سافر، وأخيراً عُنصر الإرهاب الدولي والفردي الذي أتقن الحرس الثوري تنفيذه في العراق ودول الجوار وبما يضمن تنفيذ الأجندة الصفوية.
الأموال القذرة باتت المحرك الحقيقي لتوجهات الرأي في العراق، الجوع والفقر والعوز يجعل الإنسان ضعيفاً أمام المساعدات ذات الأهداف التخريبية، في الوقت الذي تتسبب فيه الإغراءات المالية، والوعود السياسية، وبريق المناصب في استمالة بعض الساسة، وقادة الأحزاب.
تنفق إيران بسخاء على مشروعها الصفوي في العراق، وتُهيئ له كامل الدعم والمساندة، وتضمن في الوقت نفسه توافق القوى التابعة لها على تنفيذه والنضال من أجله.. لدى إيران الكفاءة الاستخباراتية التي تكشف لها بجلاء مراكز القوى القادرة على خدمة مشروعها، ما يجعلها أكثر قدرة على التاثير عليهم واستمالتهم لضمان النتائج. الأموال الإيرانية القذرة، برغم محدوديتها مقارنة بما تنفقه بعض دول المنطقة على (الموالين) لها، نجحت في تطويع الشارع العراقي، وكسب مزيد من المقاعد البرلمانية، وتغيير عقيدة بعض السياسيين المؤثرين وتوجهاتهم العروبية.
كفاءة الأموال الإيرانية القذرة لم ترتبط بالعراق المنهك اقتصادياً وسياسياً، بل تحقق في بعض دول النفط الغنية والمستقرة سياسياً، وأسهم في توجيه بعض الحكومات وإيصال الموالين إلى مقاعد البرلمان.
نجحت الأموال الإيرانية القذرة برغم توجيهها لضرب الدول العربية، وتقسيمها، وفرض التبعية الصفوية عليها، في الوقت الذي فشلت فيه الأموال العربية النظيفة الهادفة لاستقلاليتها، ووحدة أراضيها، وإعادة الإعمار، وما ذاك إلا لأسباب مرتبطة بوضوح المشروع الإستراتيجي، وحسن إدارته من خلال الأهداف المحددة، والقدرة على التفاوض، والرؤية الشاملة والقدرة على التعامل مع الأطراف المتناقضة والتأثير عليها بفاعلية لتحقيق الهدف.
السيد طارق الهاشمي، نائب رئيس جمهورية العراق (المطلوب حالياً للقضاء العراقي بتهم ملفقة) حذّر خلال كلمة له أمام البرلمان الأوربي في بروكسل، من «أن العراق وقع تحت سيطرة إيران بسبب ارتباط حكومة رئيس مجلس الوزراء نوري المالكي بالنظام الإيراني دينياً وسياسياً»، واتهم المالكي «بنشر الإرهاب في العراق وجعل البلاد ضحية لسياساته الخاطئة.»
أجزم بأن الأموال الإيرانية القذرة استعدت جيداً للانتخابات البرلمانية القادمة في العراق، فالجو العام يوحي بسيطرة صفوية شاملة على المقاعد، بل إن بعض ساسة العراق (العروبيين) أبدوا تبعية غير مسبوقة للمشروع الصفوي، تحت إغراء المال وبريق المناصب المُقدمين بيد الإرهاب.
البرلمان القادم سيشكّل الوجهة الدائمة للعراق، فإما دولة صفوية تابعة، وإما عربية مستقلة، وهو خيار قد ترجحه الدول العربية، والنفطية على وجه الخصوص، من خلال الاتفاق على مشروع إستراتيجي لإنقاذ العراق من الصفويين، وتقديم الدعم المالي والسياسي والاستخباراتي للجماعات والقيادات والأحزاب العروبية المؤمنة باستقلالية العراق ووحدة أراضية، والتي تعاني من إرهاب الحرس الثوري وميليشيات المالكي، وشح الموارد المالية، وضعف الدعم الدبلوماسي، إضافة إلى أهمية التدخل بثقل وكفاءة للتأثير على الدول الكبرى الفاعلة، والمنظمات الدولية من أجل دعم وحدة العراق واستقلاليته، ونزاهة الانتخابات، وحماية الناخبين، ووقف الإرهاب الصفوي الهادف إلى منع المعارضين، للهيمنة الإيرانية الصفوية على العراق، من الترشح والانتخاب.