حين كنت في سن الثامنة عشرة وأتيت إلى الرياض عام 1396هـ طلباً للعلم، كانت قضية قيادة السيارة والالتزام بقواعد القيادة المرورية وعدم التورط في خطأ يُوقعني في مصيدة محاسبة رجال المرور أكبر ما كان يُؤرقني، لذلك كنت حذراً أشد الحذر من أن أقع في مخالفة، بعد أن دخلت دارساً لمدة أسبوع من السبت إلى الأربعاء في محاضرات يومية نظرية وتطبيقية في مدرسة دلة التي كانت تقع في أطراف المدينة غير المعمورة من الشمال وقام على أنقاضها سوق تجاري كبير الآن!
كان لرجل المرور، أو عسكري دوريات الأمن مهابة، تصل إلى درجة القلق أو الارتباك حين يأمر أياً منا من أبناء ذلك الجيل بالتوقف، ويمطره بوابل من الأسئلة الموبخة لمخالفته في أمر ما، كالسرعة، أو عدم تجديد الرخصة، أو الالتفاف الخاطئ، أو التجاوز غير النظامي، أو التعجل في الانطلاق قبل الإشارة الخضراء، ولذلك كان الانضباط قوياً في الشارع السعودي، في الرياض وغيرها من المدن الكبرى في المملكة، وقد دخلتُ إلى إيقاف المرور في الناصرية أجري حوارات مع المخالفين من مفحطين وغيرهم في عام 1404هـ، وكان كثيرون منهم موقوفين لأيام، بسبب مخالفات كثيرة، لم تجدِ وساطات ولا شفاعات لإطلاق سراحهم، أو العفو عنهم، ولم تقل المخالفات إلا بسبب ذلك الضبط والربط والشدة والحزم في تطبيق العقوبات وعدم الاستجابة للشفاعات أو توسلات المعارف والأقرباء كما هو حاصل الآن مع الأسف.
وهذه الحالة المزرية من الفوضى المرورية رغم وجود «ساهر» لا بد لها من حلول، فلا يمكن أن يضبط ساهر وحده انفلات المنفلتين، ولا يمكن أن تغرس كاميرات ساهر أو كاميرات المراقبة الأمنية في كل شارع كبر أو صغر أو في كل منعطف مع مطالبتنا بتكثيف ذلك، فلا بد أن يكون للعنصر البشري نفسه تواجدٌ في الشوارع والميادين والمجمعات التجارية والطرق الطويلة وغيرها، فوجود رجل الأمن وكثافة رؤية سيارات الدوريات الأمنية في أي موقع كان، شارعاً أو ميداناً يثير الخوف عند المخالف أو من ينوي أو يخطط لارتكاب عمل سيئ، كما أنه يثير أيضاً من جانب آخر الطمأنينة والثقة عند المواطن والمقيم رجلاً كان أو امرأة.
وما يلحظه أي متأمل أن الإدارة العامة للمرور تكاد أن تكون اكتفت بالآلة عن الإنسان، وبالفلاشات المصورة عن سيارات المرور إلا بأعداد قليلة وفي مواضع وشوارع قليلة أيضاً، وكذلك الأمر بالنسبة للدوريات الأمنية الراجلة أو الراكبة، وهو ما يدفع المراهقين والمستهترين إلى ارتكاب المخالفات الكثيرة التي نراها نحن ولا نملك المقدرة على مقاومتها إلا بالتذمر!
ولنأخذ على ما أشير إليه مثالاً، هذا شارع الأمير تركي الأول بدءاً من منعطف القهوة الواقعة على الزاوية إلى جامع الملك خالد بتفرعاته المختلفة يضم تجمعات مثيرة للشك، وتصدر من بعضهم مخالفات مرورية كالسرعة الجنونية أو الإزعاج بأصوات السيارات أو الدبابات، ولا أحد من رجال الأمن أو المرور يتوقف عند تجمعاتهم في الشارع نفسه أو في الأزقة المتفرعة لمعرفة ما يدور.
أما الدبابات التي تأتي مندفعة بصورة جماعية محدثة أصواتاً مزعجة للجالسين في المقاهي - كما في شارع التحلية - وللعابرين أيضاً بسياراتهم، فهم يمرون على دوريات المرور والأمن ولا يُوقفهم أحدٌ، وكأن الأمر عادي جداً، مع أنهم يرتكبون مخالفات في عرض الشارع وأمام المارة بأساليب قيادتهم الخطرة وتجاوزهم غير المنضبط.
أُطالب بصوت عالٍ بتكثيف الدوريات المرورية والأمنية الراجلة والراكبة، وبزيادة أفراد الأمن والمرور لتتم سيطرتهم سيطرة تامة على الشوارع والميادين والأحياء، فما يلحظه من يتابع أماكن وقوع المخالفات أن الدافع لجرأة المخالفين هو الغياب الأمني أو المروري، وعدم وجود «عسكري» المرور أو الدوريات في مفارق الطرق وعند الإشارات وغيرها، لا بد من استعادة الزمن الجميل، ذلك الزمن الذي كان اللباس العسكري وحده يضبط الشارع!