بيتر فودا
ثمة طريقتان رئيسيتان يضع فيهما القادة الأقنعة. فالبعض يعمد إلى إخفاء أوجه التقصير والعيوب خلف الواجهة المصقولة، التي أصبحنا نتوقع رؤيتها لدى القادة «العظماء»، فيما يذكّر قليلاً بشخصيّة الشبح في المسرحية الغنائية الملحمية «شبح الأوبرا» للموسيقار أندرو لويد ويبر. أما البعض الآخر فيتّخذ شخصيّة جديدة في العمل، معتبراً إياها ضرورية لتحقيق النجاح، فيما يذكّر إلى حدّ كبير بشخصيّة «ستانلي إيبكيس» التي أدّاها جيم كاري في فيلم «القناع» The Mask، مع تحوّله إلى بطل خارق أخضر اللون. ولا شكّ في أن نوعي الأقنعة السابقيْن يقوّضان الثقة والفعاليّة، ويتسببان أيضاً بصراع داخلي، في حين يسعى القادة للتنسيق بين عملهم وحياتهم المنزليّة.
وفي سياق عملي مع مسؤولين تنفيذيين، اكتشفت أن استعارة القناع تنطبق على النساء بشكل خاص. ولنأخذ مثلاً بقصّة كريستين، وهي رئيسة تنفيذيّة واضحة الكلام وطموحة لشركة تقارير ائتمانية وتحصيل ديون، استحوذت عليها مجموعة استثمارات خاصة. وبهدف تبرير الاستثمار الذي أقدمت عليه الشركة كانت كريستين قد وافقت على تعزيز الأداء المالي لشركتها بشكل ملحوظ، وكانت مصداقيتها على المحك، ولكنها لم تكن متأكدة من أن فريق عملها الشاب على مستوى هذا التحدّي. وردًّا على ذلك، قررت التخفّي خلف قناع من الصرامة.
وكان الأمر يبدو منطقياً في ذلك الوقت؛ فبعد سنوات من العمل في قطاع ذكوري، يسيطر عليه الرجال، فكّرت في ضرورة إظهارها لمستويات عالية من التنافسيّة والقيادة الصارمة لتحقيق النجاح. وكلّما برز إلى الواجهة شعورها الغريزي الذي يدفع بها نحو الانفتاح والدفء والفضول كانت تطمسه، خشية ألا يأخذها أحد محمل الجد. وبالنتيجة، استحدثت بيئة عمل مختلّة، تركّز حصرياً على التنفيذ والنتائج. فإن أصبت هدفك تألّق نجمك. وإن لم تفعل كان من الأفضل أن تضاعف رهانك. وبعد ثلاث محاولات يتم إخراجك من اللعبة. وفي هذا الإطار لم تحصل أي أحاديث عن المشهد الأوسع نطاقاً، وعن كيفية الحصول على نتائج أفضل من خلال تخصيص الموارد بذكاء أو اللجوء إلى الابتكار.
وتطلَّب الأمر تعيين بعض كبار الموظفين الجدد والأذكياء لحثّ كريستين على إسقاط قناعها. وكان خداعهم أصعب، وقد جعلوها تشعر بالارتياح إزاء الانتقال نحو عقليّة تقوم أكثر على التعاون. وشرحت قائلة: «لقد تخلينا عن الكثير من الشكليات الرسمية غير الضرورية في تفاعلاتنا، وبدأنا نخوض أحاديث غنيّة جداً». وتابعت قائلة: «ليتني استمعت في وقت أبكر إلى المشاعر الفطرية الصادقة التي انتابتني، بدلاً من اختبار التصرفات التي تنمّ عن صرامة. وقد تعلّمت أن المصداقية تأتي من الثقة، وأن الثقة ناجمة عن المخاطرة، مع أنه لا يمكن أن يُقبل المرء على المخاطر ما لم يكن مستعداً للانكشاف عليها».
وفي ظل القيادة الجديدة التي مارستها كريستين سُجّل ازدهار في فريق عملها ومؤسستها؛ ما عزّز العائدات بعشرة أضعاف، وسمح بإرساء معايير أداء مرجعية في القطاع. وقد انتقلت منذ ذلك الحين بعيداً عن الحياة في الإدارة التنفيذية، وهي تعمل الآن مديرة مستقلة في مجالس إدارة عدّة، وتترأس مركز بحوث ومؤسسة تواصل تجمع أهم الرئيسات التنفيذيات من الجنس اللطيف.
وقد سألتها مؤخراً عن النصيحة التي يمكن أن تسديها اليوم للمديرات التنفيذيات الشابات الصاعدات، وكان ردّها يتمحور كلّياً حول ضرورة إسقاط القناع. وقالت: «لا أولي أي قيمة لما كتِب عن كيفية إحراز النجاح، كوني امرأة من مجال الأعمال، ففيه الكثير من الازدواجية؛ إذ تفيد مدرسة بضرورة (توخي الصرامة)، في حين تشير مدرسة أخرى إلى أهمية أن يعتمد المرء سلوكاً قائماً على رعاية الآخرين. والأمر مربك إلى حد كبير، ولا يساعد على الإطلاق؛ وبالتالي، ماذا لو (تصرف المرء على طبيعته فحسب)»؟