قبل سنوات بدأت بوادر التحول من متابعة الإعلام التقليدي إلى الإعلام الجديد لعدد من الأسباب البعض منها متعلق بعامل الزمن والتكلفة وحدود الحرية، والبعض الآخر بمساحة إتاحة الفرص للشباب للتألق في ميادين الإعلام الجديد، خصوصا أن متابعيهم من الناشئة والشباب ممن وجدوا في كتابات هؤلاء انعكاسا لهمومهم وفكرهم... كل ذلك جعل التحول متسارع لدرجة أصبحنا نبحث عن السبق الإعلامي للأخبار عبرها بدل الانتظار!
ومع متابعتي اليوم لمواقع النشر التي تعتمد على الصورة الثابتة والمتحركة، ومع متابعة التحول السائد بين ما يمكن أن نسميه المدرسة التقليدية في الفنون في مرحلة ما قبل غارم (نسبة لنقطة التحول مع بيع عمل عبدالناصر غارم -رسالة/رسول- بقرابة 3 ملايين ريال) وتجاوز مرحلة الفن الحديث وما بعد الحداثة إلى المعاصرة مباشرة، خصوصا في العرض الخارجي أو عبر كل من (يظن أنه فنان)، أجد نفسي واقفة أمام تحولات متسارعة كثير منها (فنيا) غير مقبولة!
السبب الرئيسي يرتكز في الغالب على غياب تأهيل هؤلاء، فهم إما من مخرجات أقسام (التربية الفنية) أو (التصميم الجرافيكي) بمعنى أنهم لم يلتحقوا بأقسام (فنون بصرية أو جميلة)، كما أن نسبة منهم لا هذه ولا تلك، بل ممارستهم أتت بعد مرحلة من التعلم الذاتي أو عبر عدة دورات هنا وهناك! ولا أعمم بطبيعة الحال.
والسبب الآخر عدم وجود عوائق نقدية أكاديمية أمام الممارسين، إما بسبب المجاملات، أو قلة المتخصصين في بلد لا يعترف بهذه التخصصات (الأكاديمية) ولا يرى أهمية لافتتاحها أو ابتعاث الطلاب لها ما لم تبتعثهم كلياتهم التي تعد على أصابع يد واحدة فقط لدينا! أما السبب الثالث فهو حداثة الثقافة البصرية في مجتمعنا وغياب تدريسها بمفاهيمها التاريخية والنقدية في التعليم العام، مما أنتج لنا مجتمعا غير قادر على تذوق الفنون وفق تسارع نموها الغربي الوافد إلينا حديثا، فأصبنا بصدمة ثقافية وصل لنا فيها الفن التجريدي والمفاهيمي بعد أن ملّه الغربي وعاد ليبحث في (وسطنا الشرق أوسطي) عن حداثة لما بعد.. بعد الحداثة! وعن مصادر (استشراقية) جديدة للنهل منها، بينما مجتمعنا الغائب عن هذه التطورات الفنية يقف أمام العمل ويصفق للمنتج الفني بناء على اسم الفنان أو صلة قرابتة، لا على محتوى العمل الفني ذاته الذي لم يتمكن من تذوقه!
وجيل الإنترنت الذي تفتح في السنوات العشر الأخيرة، جيل لديه فراغ، إضافة إلى استعداد فطري لممارسة الفنون، وأراد تفريغ ذائقته البصرية من خلال التصوير الضوئي أو الخامات والكولاج أو الفوتوشوب أي تلك المجالات التي لا تتطلب مهارة فنية عالية لم تقدمها له مؤسساته التعليمية، وهكذا وبلا خلفية تعليمية أو عوائق نقدية، أصبح ينشر أعماله في وسائط إعلام جديدة وتحت مفاهيم سمع بها في الغرب وظن أنها مناسبة لنا أو تتناسب فكريا كمنتج بصري مع تغيراتنا الفكرية والثقافية وأصبح يستخدم وسائل الإعلام الجديد لنشر هذا (الفن الجديد)، ولأنه (ملون) ويستخدم عناصر بصرية متداولة في ثقافتنا لاقى رواجا بين الشباب والناشئة، وأصبح يعرف بينهم أنه هو (الفن الجديد)!
......وللحديث بقية تحت عنوان (إعادة ميلاد للبوب آرت).