حادثتني بالتلفون.. كان صوتها يتراوح بين الدهشة والقلق والحيرة والتفاؤل.. كلها جمعت في صوت شاب يبحث عن حقه البسيط.. في أن يتمكن من الانتقال دون ضجة من نقطة أ إلى نقطة ب ! هكذا قالت.. أنا لا أبحث عن الضجيج أو أن أكون في الواجهة.. أنا حقا امرأة متعبة رغم صغر سني..
فقد فقدت أبي في سن مبكرة ثم حين تزوجت ورزقت ببناتي امتحنني الله بفقد الزوج وها أنا أصارع هذه الحياة بين الفيزا وسائق غير مدرب يخبط بنا عند كل جدار وسيارات تتهشم كل يوم لم أعد احتمل هذه المذلة... هذا كله وأنا لم أحدثك عن مخالفات ساهر التي هدت جيبي وراتبي.. فأين أذهب؟ تصوري قدت سيارتي وهاهي تجربتي سأرسلها لك علها تساعد الأخريات.. هذه نوف تحدثكم عن تجربتها يوم قادت السيارة يوم السبت الموافق 19 أكتوبر كما كتبتها:
“اليوم في تاريخ 19-10-2013، خرجت من منزلي متجهة إلى محطة البنزين في طريقي وبصحبتي ابنتاي وابن أختي كمحرم معي وبالفعل كان العامل بالمحطة مسروراً برؤيتي خلف مقود السيارة. ذهبنا بعدها إلى طريق الملك عبدالعزيز ثم إلى مستشفى المملكة ثم إلى طريق الملك عبدالله وهذا حتى أعرف الشوارع الجديدة حتى أعلمها لسائقي الذي لا يفقه الاتجاهات ولا الشوارع، ذهبنا بعدها إلى طريق التحلية حيث تناولنا غداءنا ثم مررت على صديقة لي لتناول فنجان قهوة ثم ذهبت معي إلى صديقة لنا وفي طريقنا في التحلية في الإشارة جاءت سيارة شرطة ووقفت بعرض الشارع لتقفل علي الطريق مما أثار انتباه باقي السيارات في حين كنت أجوب شوارع الرياض من الساعة الحادية عشرة وكان أذان العصر عندما طلب مني الوقوف بجانب الشارع وطلب مني الرخصة وإثبات الشخصية، ومن ثم طلب إثباتات من معي ، كان كل من يمر بسيارته في الجهة المقابلة يحيوني ويرفعون أصابعهم دعماً لي وحتى هناك من ربت على رأسه تقديراً.
بالصدفة صديقاتي لا يحملن إثباتاتهن فطلب توجهنا معه للقسم وهنا بدأت ابنتي الصغيرة في البكاء خوفاً على مصيري، وبعد حوالي النصف ساعة وهم لايعلمون كيف التصرف معنا طلبوا منا الذهاب وراءهم إلى شرطة السليمانية حيث مكثنا في السيارة لساعة ونصف
سألني الضابط المناوب هل سقت من قبل قلت له لا لم أفعل، فسألني هل ستنزلين مع حملة 26 أكتوبر؟ قلت له الذي أعرف أنها ليست حملة وأنها دعوة مستمرة قبل 26 وبعده لكل من تملك رخصة للقيادة أن تبادر إلى ذلك وكان اختيار التاريخ رمزيا فقط للتحفيز لا أكثر. فقال لماذا نزلت اليوم؟ أخبرته بما شاهدت على قنوات الاتصال الاجتماعي من خروج أعداد كبيرة من النساء يقدن سيارتهن وصورن أنفسهن لدعم التوجه لقيادة المرأة خاصة تلك المحتاجة ونحن كلنا محتاجون وخاصة أنا التي بحاجة إلى معرفة الشوارع لتدريب سائقي الجديد فسألني هل تعلمين أنك خالفت النظام؟ قلت له لا أنا ليس لدي أي دافع لمخالفة أي نظام حتى خادم الحرمين الشريفين قال إنه لا يمانع في قيادة المرأة إذا كان المجتمع مستعد له، كما أنني أملك رخصة سارية المفعول والسيارة باسمي فما هي المشكلة؟؟ قلت له: سيدي الفاضل متى سيكون المجتمع مستعداً إذا كانت كل واحدة في بيتها خايفة! أخبرته بأننا كنا ذاهبين لتناول الغداء، وحين سألني وهل تغديتم، قلت له لا تغدينا ولا صلينا ولا أنتوا صليتوا! حين سألني أين والدك أو زوجك أخبرته بأني يتيمة من صغري وأني أرملة ولا ولي لي في حين أني ولية بناتي. كنت أجادله بالحجة وانتهى الأمر على توقيعي على أني أملك رخصة قيادة أمريكية، وبأنني لن أقود السيارة ثانية إلا بعد السماح لكنني أخبرته شفهياً بأنني لا أعده إذا مررت بحالة طارئة، سألته إذا كان التعامل مع امرأة واحدة قد أخذ من الوقت ثلاث ساعات فماذا ستفعلون حين تنزل أعداد كبيرة من النساء في شتي أنحاء المملكة وكما يفعلن الآن”.
كرة الثلج قد تدحرجت وها هي تكبر وتكبر ولم يعد بالإمكان إيقافها فما نحن كمجتمع فاعلون؟ ألا يجدر بنا أن نتحسس احتياجات فئة من النساء تضطرها ظروفها للقيادة في حين تختار مجموعات أخرى أن لا يفعلن ذلك وهذا شأنهن ولا أحد يملك الحق على إجبارهن على القيادة. نحن نحتاج إلى آليات تنظيمية فما نقوم به قانوني ولا يتعارض مع شرع الله أو قانون بلادنا ومن ثم نحتاج إلى آليات إجرائية توضح لنا وللأجهزة المعنية من مرور وشرطة وشركات تأمين كيف نحصل على رخصة قانونية تمكننا من أن نقود أولادنا لمدارسهم كل يوم ونذهب بأمان إلى أعمالنا ولتأتي اللحظة التاريخية التي طالما حلمت بها نساء المملكة.. أن تقف أمام الباب شاكرة ومودعة سائقها الأجنبي إلى الأبد... فهي من تقود السيارة اليوم.