في الأسبوع قبل الماضي نشرت هنا ما قاله الباحث الأمريكي المتخصص في الشئون السياسية بعد هزيمة يونيو 1967م، عن العقلية الأمريكية وتقديسها للقوة، وكنت أظن أنني لن أعود لما قاله هذا الخبير المختص قبل حوالي 45 عاماً، إلا أن رفض المملكة العربية السعودية شغل مقعد في مجلس الأمن الذي اتهمته بازدواجية المعايير، هذا الموقف التاريخي غير المسبوق، جعلني أعود لتلك الوثيقة التي نقلتُ جزءاً منها في المقال المشار إليه وغضّيت الطّرف عن الشق الآخر في المعادلة المتعلّق بالهيئات والمؤسسات واللجان الدولية ذات العلاقة بالسلام العالمي.
لقد جاء على لسان هذا السياسي المخضرم الذي كان يتحدث عن خبرة ودراية ببلاده في هذا الباب قوله: “.... وإلى جوار ميادين القتال والقوة أنشأنا مسرحاً كبيراً أسميناه “الأمم المتحدة” واخترنا له ممثلين يجيدون الحديث والإلقاء، وألحقنا بالمسرح الكبير مسارح صغيرة، وهي اللجان المختصة ومنظمات متخصصة، وزعناها على مراكز التأثير والعواصم الكبرى في العالم، ولها فروع ومكاتب إقليمية ولجان وطنية.. شبكة كبيرة من اللجان والأوراق والكلمات.
حاول أن تدرك العلاقة بين المسارح الفنية وهذه المسارح السياسية، الملابس الأنيقة، الخطب الرنانة، الألوان عند أخذ الأصوات، موافق، غير موافق، ممتنع عن التصويت، جمع أصوات، أخذ قرارات.. ويعود الذي لا يقدر على الحرب إلى بلده ومعه ورقة، هي قرار من الأمم المتحدة، أو من لجنة، أو من منظمة متخصصة.. ورقة انتصار على الورق في حرب الورق.
أما مجلس الأمن فهناك الفيتو “حق الاعتراض” والكلمة فيه للقوة.. إنّ قرارات الجمعية العامة إذا صعدت إلى مجلس الأمن كانت توصيات لا رصيد لها في بنك القوة، توصيات على ورق لمن سلاحه الورق”.
إنني لست خبيراً إستراتيجياً، ولا حتى محللاً سياسياً، ولكنني أعتقد أنّ هذا الخبير الأمريكي المختص ربما بالغ بعض الشيء في التصوير حتى جعل الحلول الدبلوماسية مجرّد حلول ورقية لا نصيب له من الواقع المعاش، ولا ينفي هذا القول مني وجود خلل متجذر في بناء هذه المؤسسات العالمية، ولو عدنا إلى الحيثيات التي بنت عليها المملكة موقفها تجاه الاعتذار عن عضوية مجلس الأمن، لوجدنا أنها تؤكد ذلك وبقوه، إذ أنها تتركز على ثلاثة ملفات طبقاً لبيان وزارة الخارجية وهي:
- استمرار القضية الفلسطينية دون حل منذ 65 عاماً.
- انتشار أسلحة الدمار الشامل.
- الأزمة السورية.
لقد وضعت المملكة العربية السعودية في هذه الخطوة الجريئة التي لم يكن لها مثيل من قبل، علاقة الدول العربية والإسلامية بل دول العالم الثالث أجمع مع المؤسسة الدولية المسئولة عن حفظ الأمن والسلم العالميين على المحك.
سبق هذا القرار الحاسم إرهاصات عدة تدل بوضوح على قناعة قادتنا وولاة أمرنا، بعجز المؤسسات الدولية عن القيام بما يؤمله منها العالم وتنتظره الشعوب، إذ جاء على لسان خادم الحرمين الشريفين إبان استقباله ضيوف الجنادرية هذا العام ما نصه : “... يا أخوان نحن في أيام مخيفة، مخيفة، ومع الأسف الذي صار في الأمم المتحدة في اعتقادي هذه بادرة ما هي محمودة أبداً... ما تبشر بخير، لأن ثقة العالم كله في الأمم المتحدة ما من شك أنها اهتزت...”، وقبل أسابيع معدودة ألغى صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية كلمة المملكة التي كان من المقرر إلقاؤها في اجتماع للأمم المتحدة بنيويورك احتجاجاً ناعماً أبدته الرياض تجاه ترهُّل المؤسسة الدولية، واتخاذها سياسة الكيل بمكيالين في غالبية الموضوعات المعروضة عليها، ليس هذا فحسب، بل قدمت المملكة في فبراير الماضي أمام المؤتمر الوزاري الدولي الثالث بإيطاليا خارطة طريق “إصلاح مجلس الأمن” وهي بحق خارطة بنيت على أسس شمولية وركائز عادلة يتحقق من ورائها السلام العالمي، إذا صدقت النوايا وحسنت الأقوال وصلحت الأفعال، دمتم بخير وحفظ الله قادتنا وولاة أمرنا وحرس بلادنا وجمع شمل شعبنا وأصلح أحوالنا ووقانا جميعاً شر الفتن ما ظهر منه وما بطن وإلى لقاء والسلام.