التكهن المبدئي يشير إلى أن السيدة «قماشة» في العقد السادس من العمر، ممشوقة القوام، سريعة الحركة، واثقة الخطى في اتجاهاتها، لها عينان زائغتان، تلتقطان المار قبل أن يزوغ في طريقه عنها، وهي التي كثيراً ما تتحاشاها النساء بالمناسبات، حينما يشحن بوجوههن عنها، مخافة القيل والقال، ومع ذلك تستوقف إحداهن إذا مرت بها؛ لكي تعرف شيئاً عن فلانة وعلانة، وهو شغف نسائي بالمحكي. والبعض من النساء يحجمن عن مدها بالمعلومة؛ كونهن يعرفن أنها من هواة الكلام اللامعقول. ومع ذلك تمتلك قماشة أسلوباً مسيطراً؛ تعرف كيف تنتزع المعلومة ممن تتحدث إليها، وتدغدغ مشاعرها حتى تلين بـ(الرغي)، ثم تجهز عليها باستخلاص المعلومة التي تريدها، معلومة إثر أخرى أصبحت وكالة أنباء متنقلة، أخبارها حارقة، بهاراتها لاسعة المذاق للنساء، اللاتي ربما قلن، وربما لم يقلن؛ لذلك وُصمت بالثرثارة!!
في يوم من الأيام، وفي مناسبة كبيرة، أطلقت الخالة قماشة قذيفة كاذبة، قالت بحضور جمع من النساء لإغوائهن بالكلام: قرأت خبراً بالجريدة بأن الحكومة سمحت للنساء بقيادة السيارة. النساء فرحن، وتداولن الخبر فيما بينهن، وحينما لم يتضح الأمر رسمياً سألن الخالة قماشة: هل أنتِ متأكدة مما قلتِ؟ قالت: نعم، ولكن نسيت بأي جريدة. النساء ضحكن ولم يعلقن. وبخبث مصطنع قالت: لا، إحساسي ومصدري يؤكدان أن الموافقة قادمة، لا تستعجلن!!
بعد بضعة أيام قليلة أتت الخالة قماشة مهرولة لإحدى جاراتها، وبيدها صحيفة تشير إلى أن ثلاث عضوات في مجلس الشورى، هن (هيا المنيع، لطيفة الشعلان ومنى آل مشيط)، قدَّمن مقترحاً بتمكين المرأة من قيادة السيارة، لكن النساء سمعهن تصريح المتحدث الرسمي لمجلس الشورى، الذي قال: «إن رأي العضوات لا يعتد به كونه مخالفاً لقواعد عمل المجلس، وليس من اختصاص وزارة النقل».
قماشه بخبث خلطت بين الموافقة والمقترح؛ لذلك أحضرت الجريدة التي نشرت خبر مقترح العضوات الثلاث؛ وظنت أنه بمنزلة حجة دامغة؛ لتضعه في عيون اللواتي هزئن بها؛ لتمحو خبراً كاذباً نسبته للحكومة. شعور لنفس مريضة بالقول والقيل.
ورغم كون المقترح صحيحاً إلا أن واحدة من الحاضرات قالت: إذن، لماذا تم اختيارهن عضوات لمجلس الشورى ما لم يعتد برأيهن، وهن اللاتي أدرى بشؤون المرأة!؟ حتى بالشورى لا نخلو من التهميش!؟ وقالت واحدة: سمعت وقرأت أن هناك من بادر لإفساد هذه المطالبة النسائية؛ فقد صرح بأن قيادة المرأة للسيارة تؤثر في «مبايض المرأة». ضحكن هازئات بالتهويل.
قماشة قالت متباهية: لدي رخصة دولية، وأسوق خارج الحدود، ولم أشكُ يوماً من «المبايض»؛ هذا الكلام هراء، وهو ما أكده دكتور نساء وولادة مفنداً مزاعم المدعي بأن القيادة تؤثر في مبايض المرأة! النساء اللاتي سمعن الحديث عبر برنامج (يا هلا.. روتانا خليجية) أجمعن على أن كلام الدكتور كلام علمي ومنطقي صادق، وما قاله المدعي هو لتوظيف مبايض المرأة لمآرب ممانعة! ثم إن نساء العالم يمارسن القيادة بغير تهويل وتأويل.
النساء اللاتي يعرفن قماشة جيداً كشفن ألاعيبها ذات يوم، وعرفن أنها ذات وجهين، فما تقوله لهن غير ما تقوله للرجال من معارفها وأقربائها؛ فهي تكيل بمكيالين حسب المتحدث إليها، إن كان رجلاً أو امرأة، فهي تكره المرأة لدرجة نتف فروتها أمام الرجل، وتكره الرجل في آن، فهي باختصار ذات نفسية متقلبة، ومع ذلك تروح عن نفسها، بغض النظر عما يلحق بالأخريات من أذى. والمصيبة أنها ليست بجاهلة بل متعلمة بدرجة عالية، مثلما هم جماعة التهويل والتأويل..!!